والتكذيب بكتبه، وجحود ما جاء من عنده. ومعنى"إيمانهم": تصديقهم الذي زعموا أنهم به مصدقون من كتاب الله، إذْ قيل لهم: آمنوا بما أنزل الله. فقالوا: نؤمن بما أنزل علينا. وقوله: (إن كنتم مؤمنين)، أي: إن كنتم مصدقين كما زعمتم بما أنزل الله عليكم، (١) وإنما كذبهم الله بذلك - لأن التوراة تنهي عن ذلك كله، وتأمر بخلافه. فأخبرهم أن تصديقهم بالتوراة، إن كان يأمرهم بذلك، فبئس الأمر تأمر به. وإنما ذلك نفي من الله تعالى ذكره عن التوراة، أن تكون تأمر بشيء مما يكرهه الله من أفعالهم، وأن يكون التصديق بها يدل على شيء من مخالفة أمر الله، وإعلام منه جل ثناؤه أن الذي يأمرهم بذلك أهواؤهم، والذي يحملهم عليه البغي والعدوان.
* * *
(١) انظر ما سلف في معنى"الإيمان" ١: ٢٣٥، ٢: ١٤٣ وغيرهما.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٩٤) ﴾
قال أبو جعفر: وهذه الآية مما احتج الله بها لنبيه محمد ﷺ على اليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجره، وفضح بها أحبارهم وعلماءهم. وذلك أن الله جل ثناؤه أمر نبيه ﷺ أن يدعوهم إلى قضية عادلة بينه وبينهم، فيما كان بينه وبينهم من الخلاف. كما أمره الله أن يدعو الفريق الآخر من النصارى - إذ خالفوه في عيسى صلوات الله عليه وجادلوا فيه - إلى فاصلة بينه وبينهم من المباهلة. (١) وقال لفريق اليهود: إن كنتم محقين فتمنوا الموت، فإن ذلك غير ضاركم، إن كنتم محقين فيما تدعون من الإيمان وقرب المنزلة
(١) وذلك ما جاء في سورة آل عمران: ٦١، وانظر خبره في التفسير والسير.