قالوا: إن لدينا عدوا من الملائكة وسلما من الملائكة، وإنه قرن به عدونا من الملائكة. (١) قال: قلت: ومن عدوكم؟ ومن سلمكم؟ قالوا: عدونا جبريل، وسلمنا ميكائيل. قال: قلت: وفيم عاديتم جبريل؟ وفيم سالمتم ميكائيل؟ قالوا: إن جبريل ملك الفظاظة والغلظة والإعسار والتشديد والعذاب ونحو هذا، وإن ميكائيل ملك الرأفة والرحمة والتخفيف ونحو هذا. قال: قلت: وما منزلتهما من ربهما؟ قالوا: أحدهما عن يمينه، والآخر عن يساره. قال: قلت: فوالله الذي لا إله إلا هو، إنهما والذي بينهما لعدو لمن عاداهما، وسلم لمن سالمهما، ما ينبغي لجبريل أن يسالم عدو ميكائيل، ولا لميكائيل أن يسالم عدو جبريل! قال: ثم قمت فاتبعت النبي صلى الله عليه وسلم، فلحقته وهو خارج من مخرفة لبني فلان، (٢) فقال لي: يا ابن الخطاب، ألا أقرئك آيات نزلن؟ فقرأ على: (قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه) حتى قرأ الآيات. قال: قلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، (٣) والذي بعثك بالحق لقد جئت وأنا أريد أن أخبرك الخبر، فأسمع اللطيف الخبير قد سبقني إليك بالخبر! (٤)
١٦٠٩ - حدثني يعقوب بن ابرهيم قال، حدثنا ابن علية، عن داود، عن الشعبي قال، قال عمر: كنت رجلا أغشى اليهود في يوم مدراسهم، ثم ذكر نحو حديث ربعي. (٥)
١٦١٠ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذكر لنا أن عمر بن الخطاب انطلق ذات يوم إلى اليهود، فلما أبصروه رحبوا به. فقال لهم عمر: أما والله ما جئت لحبكم ولا للرغبة فيكم، ولكن جئت لأسمع منكم. فسألهم وسألوه، فقالوا: من صاحب صاحبكم؟ فقال لهم: جبريل. فقالوا: ذاك عدونا من أهل السماء، يطلع محمدا على سرنا، وإذا جاء جاء بالحرب والسنة (٦) ولكن صاحب صاحبنا ميكائيل، وكان إذا جاء جاء بالخصب وبالسلم، فقال لهم عمر: أفتعرفون جبريل وتنكرون محمدا؟ ففارقهم عمر عند ذلك، وتوجه نحو رسول الله ﷺ ليحدثه حديثهم، فوجده قد أنزل عليه هذه الآية: (قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله).
١٦١١ - حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر، عن قتادة قال: بلغنا أن عمر بن الخطاب أقبل على اليهود يوما، فذكر نحوه.
١٦١٢ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: (من كان عدوا لجبريل)، قال: قالت اليهود:

(١) السلم: المسالم. تقول: أنا سلم لمن سالمني. رجل سلم، وقوم سلم، وامرأة سلم.
(٢) في المطبوعة: "خرقة"، وفي تفسير ابن كثير"خوخة" والصواب"مخرفة" كما أثبتها. والمخرفة: البستان، أو سكة بين صفين من نخل. خرف النخل والثمر: اجتناه، واجتناء الثمر هـ"الخرفة" (بضم فسكون).
(٣) في المطبوعة: "بأبي وأمي يا رسول الله" بإسقاط"أنت"، وأثبت ما في تفسير ابن كثير
(٤) الحديث: ١٦٠٨ - وهذا مرسل أيضًا. ذكره ابن كثير ١: ٢٤١ - ٢٤٣، عن هذا الموضع، ثم عن تفسير ابن أبي حاتم، من رواية مجالد عن عامر - وهو الشعبي - وسيأتي نحوها أيضًا من رواية مجالد رقم: ١٦١٤. ثم قال ابن كثير:"وهذان الإسنادان يدلان على أن الشعبي حدث به عن عمر. ولكن فيه انقطاع بينه وبين عمر، فإنه لم يدرك زمانه". وقال السيوطي في الدر المنثور ١: ٩٠"صحيح الإسناد ولكن الشعبي لم يدرك عمر".
رِبْعِي، بكسر الراء والعين المهملة، بينهما باء موحدة ساكنة، وآخره ياء تحتية مشددة: هو"ربعي بن إبراهيم بن مقسم الأسدي" عرف"بابن علية"، كأخيه"إسماعيل بن علية". وربعي: ثقة مأمون، من شيوخ أحمد وأبي خيثمة وغيرهما. وقال عبد الرحمن بن مهدي:"كنا نعد ربعي بن علية من بقايا شيوخنا". وفي المسند: ٧٤٤٤ أن أحمد بن حنبل قال:"كان يفضل على أخيه". وهو مترجم في التهذيب، والكبير ٢ / ١ /٢٩٩، وابن أبي حاتم ١ /٢ /٥٠٩ - ٥١٠. داود بن أبي هند: ثقة، جيد الإسناد، رفع، من حفاظ البصرين. ترجمته في التهذيب، والكبير ٢/١/٢١١ -٢١٢، والصغير: ١٦٠، وابن أبي حاتم ١ /٢ /٤١١ - ٤١٢.
الشعبي: هو عامر بن شراحيل الهمداني، إمام جليل الشأن، من كبار التابعين. ولكنه لم يدرك عمر، كما قال ابن كثير. فإنه ولد سنة ١٩، أو سنة ٢٠.
(٥) الأثر: ١٦٠٩ - في المطبوعة: "حدثني يعقوب قال حدثنا إبراهيم قال حدثنا ابن علية" والصواب ما أثبته، يعقوب بن إبراهيم الدورقي، وقد سلف مرارا بهذا الإسناد، وروايته عن ابن علية
(٦) السنة: الجدب والقحط.


الصفحة التالية
Icon