١٦٧٣ - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أما قوله: (وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت)، فهذا سحر آخر خاصموه به أيضا. يقول: خاصموه بما أنزل على الملكين، وأن كلام الملائكة فيما بينهم، إذا علمته الإنس فصنع وعمل به، كان سحرا. (١)
١٦٧٤ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (يعلمون الناس السحر وما أنزل على الناس ببابل هاروت وماروت). فالسحر سحران: سحر تعلمه الشياطين، وسحر يعلمه هاروت وماروت.
١٦٧٥ - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت)، قال: التفريق بين المرء وزوجه.
١٦٧٦ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: (ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين)، فقرأ حتى بلغ: (فلا تكفر)، قال: الشياطين والملكان يعلمون الناس السحر.
* * *
قال أبو جعفر: فمعنى الآية على تأويل هذا القول الذي ذكرنا عمن ذكرناه عنه: واتبعت اليهود الذي تلت الشياطين في ملك سليمان الذي أنزل على الملكين ببابل وهاروت وماروت. وهما ملكان من ملائكة الله، سنذكر ما روي من الأخبار في شأنهما إن شاء الله تعالى.
* * *
قال أبو جعفر (٢) إن قال لنا قائل: وهل يجوز أن ينزل الله السحر، أم
(٢) كان في المطبوعة هنا: "وقالوا: إن قال لنا قائل.. ". والضمير في"قالوا"، لا يعود إلى مذكورين قبل. وكأن الناسخ تعاظمه أن يكون الرد الآتي من كلام أبي جعفر، فحذف ما جرى عليه في تفسيره من قوله"قال أبو جعفر"، وأقحم"وقالوا" مكانها، ثم زاد فحشا هذه الفقرات الآتية بكلمته"وقالوا"، كما سنبينه في مواضعه من التعليق. وهذا أسلوب لم يطرقه أبو جعفر قط في تفسيره كله.
والذي استبشعه بعض النساخ - فيما نرجح - سيأتي بعد قليل في ص ٤٢٣ - ٤٢٦ بأوضح مما قاله هنا. وقد عد ابن كثير قول أبي جعفر مسلكا غريبا، فقال في تفسيره ١: ٢٥٣، وذكر ما ذكره أبو جعفر من قول من قال"ما" بمعنى"لم" فقال: "ثم شرع ابن جرير في رد هذا القول، وأن"ما" بمعنى"الذي"، وأطال القول في ذلك، وادعى أن هاروت وماروت ملكان أنزلهما الله إلى الأرض، وأذن لهما في تعليم السحر، اختبارا لعباده وامتحانا، بعد أن بين لعباده أن ذلك مما ينهى عنه على ألسنة الرسل، وادعى أن هاروت وماروت مطيعان في تعليم ذلك، لأنهما امتثلا ما أمرا به. وهذا الذي سلكه غريب جدا".
ولست أستنكر ما قاله أبو جعفر، كما استنكره ابن كثير، ولو أنت أنصفت وتتبعت كلام أبي جعفر، لرأيت فيه حجة بينه ساطعة على صواب مذهبه الذي ذهب إليه، ولرأيت دقة ولطفا في تناول المعاني، وتدبير الألفاظ، لا تكاد تجدهما في غير هذا التفسير الجليل القدر.