أسباط بن نصر عن السدي، قال: كان من شأن فرعون أنه رأى في منامه أن نارا أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر، فأحرقت القبط وتركت بني إسرائيل، وأخربت بيوت مصر. فدعا السحرة والكهنة والعافة والقافة والحازة، فسألهم عن رؤياه (١) فقالوا له: يخرج من هذا البلد الذي جاء بنو إسرائيل منه -يعنون بيت المقدس- رجل يكون على وجهه هلاك مصر. فأمر ببني إسرائيل أن لا يولد لهم غلام إلا ذبحوه، ولا تولد لهم جارية إلا تركت. وقال للقبط: انظروا مملوكيكم الذين يعملون خارجا فأدخلوهم، واجعلوا بني إسرائيل يلون تلك الأعمال القذرة. فجعل بني إسرائيل في أعمال غلمانهم، وأدخلوا غلمانهم; فذلك حين يقول الله تبارك وتعالى: (إن فرعون علا في الأرض) -يقول: تجبر في الأرض- (وجعل أهلها شيعا) -، يعني بني إسرائيل، حين جعلهم في الأعمال القذرة-، (يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ) [القصص: ٤] فجعل لا يولد لبني إسرائيل مولود إلا ذبح، فلا يكبر الصغير. وقذف الله في مشيخة بني إسرائيل الموت، فأسرع فيهم. فدخل رءوس القبط على فرعون، فكلموه، فقالوا: إن هؤلاء قد وقع فيهم الموت، فيوشك أن يقع العمل على غلماننا! بذبح أبنائهم، فلا تبلغ الصغار وتفنى الكبار! (٢) فلو أنك كنت تبقي من أولادهم! فأمر أن يذبحوا سنة ويتركوا سنة. فلما كان في السنة التي لا يذبحون فيها ولد هارون، فترك; فلما كان في السنة التي يذبحون فيها حملت بموسى. (٣).
٨٩٦ - حدثنا محمد بن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ذكر لي أنه لما تقارب زمان موسى أتى منجمو فرعون وحزاته إليه (٤) فقالوا له: تعلم أنا نجد في علمنا أن مولودا من بني إسرائيل قد أظلك زمانه الذي يولد فيه (٥) يسلبك ملكك، ويغلبك على سلطانك، ويخرجك من أرضك، ويبدل دينك. فلما قالوا له ذلك، أمر بقتل كل مولود يولد من بني إسرائيل من الغلمان، وأمر بالنساء يستحيين. فجمع القوابل من نساء [أهل] مملكته، فقال لهن: لا يسقطن على أيديكن غلام من بني إسرائيل إلا قتلتنه. فكن يفعلن ذلك، وكان يذبح من فوق ذلك من الغلمان، ويأمر بالحبالى فيعذبن حتى يطرحن ما في بطونهن. (٦)
٨٩٧ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد قال، لقد ذكر [لي] أنه كان ليأمر بالقصب فيشق حتى يجعل أمثال الشفار، ثم يصف بعضه إلى بعض، ثم يؤتى بالحبالى من بني إسرائيل فيوقفهن عليه (٧) فيحز أقدامهن. حتى إن المرأة منهن لتمصع بولدها فيقع من بين رجليها (٨) فتظل تطؤه تتقي به حد القصب عن رجلها، لما بلغ من جهدها، حتى أسرف في ذلك وكاد يفنيهم، فقيل له: أفنيت الناس

(١) الكهنة جمع كاهن: وهو الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان. والعافة جمع عائف: وهو الذي يتعاطى العيافة، وهو تكهن كان في الجاهلية، ذكروا أنها زجر الطير والتفاؤل بأسمائها وأصواتها. وفي اللسان (حزا) : العائف: العالم بالأمور، ولا يستعاف إلا من علم وجرب وعرف. فلعل الذي وصفه أصحاب كتب اللغة إنما هو ضرب واحد من ضروب العيافة. والقافة جمع قائف: وهو الذي يتبع الآثار ويعرفها، ويعرف شبه الرجل بأخيه وأبيه، وليست من السحر والكهانة ولا الجبت. ولعل زيادة ذكرها هنا زيادة من النساخ، فإن الذي جاء في رواية التاريخ: "القافة"، ولم يذكر"العافة"، فلعل الذي في التاريخ تصحيف صوابه"العافة"، والحازة جمع حاز، والحازي: هو الذي ينظر في النجوم وأحكامها بظنه وتقديره، فربما أصاب، وهو الحزاء (بتشديد الزاي).
(٢) في المطبوعة: نذبح أبناءهم"، والصواب من التاريخ.
(٣) الأثر: ٨٩٥ - في تاريخ الطبري ١: ٢٠٠، وإسناده هناك هو الإسناد الذي يدور في التفسير وتمامه: "... عن السدي في خبره عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس - وعن مرة الهمداني، عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم... ".
(٤) في المطبوعة: "فرعون وأحزابه"، وهو خطأ محض، صوابه في المخطوطة وتاريخ الطبري والحزاة جمع حاز أيضًا، كقاض وقضاة. والحازى: سلف شرحه في ص: ٣٨، تعليق: ١.
(٥) في المطبوعة: " نعم، إنا نجد في علمنا"، وهو خطأ معرق. وتعلم (بتشديد اللام) : بمعنى أعلم، وهي فاشية في سيرة ابن إسحاق وغيره. وانظر تعليقنا فيما مضى ١: ٢١٧. وأظلك: صار كالظل، أي قارب ودنا دنوا شديدا.
(٦) الأثر: ٨٩٦ - في تاريخ الطبري ١: ١٩٩، والزيادة بين القوسين، والتصحيح منه.
(٧) في المطبوعة: "ثم يؤتى... فيوقفن"، بالبناء للمجهول. وذاك نص التاريخ والمخطوطة.
(٨) مصعت المرأة بولدها: زحرت زحرة واحدة فرمته من بطنها وألقته.


الصفحة التالية
Icon