فحاد ابن جريج، بقوله هذا، عما قاله من ذكرنا قوله في قوله: (ويستحيون نساءكم) : إنه استحياء الصبايا الأطفال، إذ لم يجدهن يلزمهن اسم"نساء" (١) ثم دخل فيما هو أعظم مما أنكر بتأويله"ويستحيون"، يسترقون، وذلك تأويل غير موجود في لغة عربية ولا أعجمية (٢). وذلك أن الاستحياء إنما هو استفعال من الحياة (٣) نظير"الاستبقاء" من"البقاء"، و"الاستسقاء" من"السقي". وهو من معنى الاسترقاق بمعزل.
* * *
وقد تأول آخرون: قوله (٤) (يذبحون أبناءكم)، بمعنى يذبحون رجالكم آباء أبنائكم، وأنكروا أن يكون المذبوحون الأطفال، وقد قرن بهم النساء. فقالوا: في إخبار الله جل ثناؤه إن المستحيين هم النساء، الدلالة الواضحة على أن الذين كانوا يذبحون هم الرجال دون الصبيان، لأن المذبحين لو كانوا هم الأطفال، لوجب أن يكون المستحيون هم الصبايا. قالوا: وفي إخبار الله عز وجل أنهم النساء، ما بين أن المذبحين هم الرجال (٥).
قال أبو جعفر: وقد أغفل قائلو هذه المقالة - مع خروجهم من تأويل أهل التأويل من الصحابة والتابعين - موضع الصواب. وذلك أن الله جل ثناؤه قد أخبر عن وحيه إلى أم موسى أنه أمرها أن ترضع موسى، فإذا خافت عليه أن تلقيه في التابوت، ثم تلقيه في اليم. فمعلوم بذلك أن القوم لو كانوا إنما يقتلون الرجال ويتركون النساء، لم يكن بأم موسى حاجة إلى إلقاء موسى في اليم، أو لو أن موسى كان رجلا لم تجعله أمه في التابوت.

(١) في المطبوعة: "قال: إذ لم يجدهن" بزيادة"قال"، وهو فساد.
(٢) في المطبوعة: "عجمية".
(٣) في المطبوعة: "إنما هو الاستفعال من الحياة"، وليس بشيء
(٤) في المطبوعة: ""وقد قال آخرون... "، وليس بشيء.
(٥) في المطبوعة: "ما يبين أن المذبحين".


الصفحة التالية
Icon