* * *
القول في تأويل قوله تعالى ﴿وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ﴾
أما تأويل قوله: (وإذ فرقنا بكم)، فإنه عطف على: (وإذ نجيناكم)، بمعنى: واذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم، واذكروا إذ نجيناكم من آل فرعون، وإذ فرقنا بكم البحر.
ومعنى قوله: (فرقنا بكم) : فصلنا بكم البحر. لأنهم كانوا اثني عشر سبطا؛ ففرق البحر اثني عشر طريقا، فسلك كل سبط منهم طريقا منها، فذلك فرق الله بهم عز وجل البحر، وفصله بهم، بتفريقهم في طرقه الاثني عشر، كما:-
٩٠٤ - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط بن نصر، عن السدي: لما أتى موسى البحر كنّاه"أبا خالد"، وضربه فانفلق، فكان كل فرق كالطود العظيم، فدخلت بنو إسرائيل. وكان في البحر اثنا عشر طريقا في كل طريق سبط. (١)
* * *
وقد قال بعض نحويي البصرة: معنى قوله: (وإذ فرقنا بكم البحر)، فرقنا بينكم وبين الماء. يريد بذلك: فصلنا بينكم وبينه، وحجزناه حيث مررتم به. وذلك خلاف ما في ظاهر التلاوة، (٢) لأن الله جل ثناؤه إنما أخبر أنه فرق البحر بالقوم، ولم يخبر أنه فرق بين القوم وبين البحر، فيكون التأويل ما قاله قائلو هذه المقالة، وفرقه البحر بالقوم، إنما هو تفريقه البحر بهم، على ما وصفنا من افتراق سبيله بهم، على ما جاءت به الآثار.

(١) الأثر ٩٠٤ - من خبر طويل في تاريخ الطبري، وهذه الفقرة منه في ١: ٢١٤، وانظر أيضًا رقم: ٩١٠.
(٢) انظر تفسير"الظاهر" فيما مضى: ٢: ١٥، والمراجع.


الصفحة التالية
Icon