سألته -يعني ابن زيد- عن قول الله عز وجل: (وإذ ءاتينا موسى الكتاب والفرقان) فقال: أما"الفرقان" الذي قال الله جل وعز: (يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ) [الأنفال: ٤١]، فذلك يوم بدر، يوم فرق الله بين الحق والباطل، والقضاء الذي فرق به بين الحق والباطل. قال: فكذلك أعطى الله موسى الفرقان، فرق الله بينهم، وسلمه وأنجاه، فرق بينهم بالنصر. فكما جعل الله ذلك بين محمد ﷺ والمشركين، فكذلك جعله بين موسى وفرعون (١).
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذين التأويلين بتأويل الآية، (٢) ما روي عن ابن عباس وأبي العالية ومجاهد: من أن الفرقان الذي ذكر الله أنه آتاه موسى في هذا الموضع، هو الكتاب الذي فرق به بين الحق والباطل، وهو نعت للتوراة وصفة لها. فيكون تأويل الآية حينئذ: وإذ آتينا موسى التوراة التي كتبناها له في الألواح وفرقنا بها بين الحق والباطل.
فيكون"الكتاب" نعتا للتوراة أقيم مقامها، استغناء به عن ذكر التوراة، ثم عطف عليه ب"الفرقان"، إذ كان من نعتها.
* * *
وقد بينا معنى"الكتاب" فيما مضى من كتابنا هذا، وأنه بمعنى المكتوب. (٣)
* * *
وإنما قلنا هذا التأويل أولى بالآية، وإن كان محتملا غيره من التأويل، لأن الذي قبله من ذكر"الكتاب"، وأن معنى"الفرقان" الفصل (٤) - وقد دللنا على ذلك فيما مضى من كتابنا هذا (٥) -، فإلحاقه إذ كان كذلك، بصفة ما وليه أولى من إلحاقه بصفة ما بعد منه.

(١) في المطبوعة: "بين محمد والمشركين"، وأثبت ما في المخطوطة.
(٢) في المطبوعة: "فأولى هذين التأويلين... ".
(٣) انظر ما مضى ١: ٩٧ - ٩٩.
(٤) في المطبوعة: "لأن الذي قبله ذكر الكتاب" بإسقاط"من".
(٥) انظر ما مضى ١: ٩٨ - ٩٩.


الصفحة التالية
Icon