وفتنته لهم، ولم يرتدّوا عن أديانهم بأذى المشركين إياهم (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ) التي سلفت منهم في شركهم (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ) يقول: ولنثيبنهم على صالحات أعمالهم في إسلامهم، أحسن ما كانوا يعملون في حال شركهم مع تكفيرنا سيئات أعمالهم.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨) ﴾
يقول تعالى ذكره: (وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ) فيما أنزلنا إلى رسولنا (بِوَالِدَيْهِ) أن يفعل بهما (حُسْنا).
واختلف أهل العربية في وجه نصب الحسن، فقال بعض نحويِّي البصرة: نُصب ذلك على نية تكرير وصيّنا. وكأن معنى الكلام عنده: ووصينا الإنسان بوالديه، ووصيناه حسنا. وقال: قد يقول الرجل وصيته خيرا: أي بخير.
وقال بعض نحويي الكوفة: معنى ذلك: ووصينا الإنسان أن يفعل حُسنا، ولكن العرب تسقط من الكلام بعضه إذا كان فيما بقي الدلالة على ما سقط، وتعمل ما بقي فيما كان يعمل فيه المحذوف، فنصب قوله: (حُسْنا) وإن كان المعنى ما وصفت وصينا؛ لأنه قد ناب عن الساقط، وأنشد في ذلك:
عَجِبْتُ مِنْ دَهْماءَ إذْ تَشْكُونا... وَمِن أبي دَهْماءَ إذْ يُوصِينا
خَيْرًا بها كأنَّنا جافُونا (١)
وقال: معنى قوله: يوصينا خيرا: أن نفعل بها خيرا، فاكتفى بيوصينا منه، وقال: ذلك نحو قوله: (فَطَفِق مَسْحا) أي يمسح مسحا.
وقوله: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا) يقول: (ووصينا الإنسان)، فقلنا له: إن جاهداك والداك لتشرك بي ما ليس لك به علم أنه ليس

(١) هذه أبيات ثلاثة من مشطور السريع، وهي من شواهد الفراء في معاني القرآن (ص ١٧٨) قال: والعرب تقول: أوصيك به خيرًا، وآمرك به خيرًا، وكأن معناه: آمرك أن تفعل به، ثم تحذف أن، فتوصل الخير بالوصية، وبالأمر، قال الشاعر: " عجبت... " الأبيات.


الصفحة التالية
Icon