حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، قال: سمعت الأعمش يقول: (إنَّ أنكَرَ الأصْوَاتِ) (١) صوت الحمير.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إن أشرّ الأصوات.
* ذكر من قال ذلك:
حُدثت عن يحيى بن واضح، عن أبي حمزة، عن جابر عن عكرِمة والحكم بن عُتيبة (إنَّ أنكَرَ الأصْوَاتِ) قال: أشرّ الأصوات.
قال جابر: وقال الحسن بن مسلم: أشدّ الأصوات.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (إِنَّ أَنْكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) قال: لو كان رفع الصوت هو خيرا ما جعله للحمير.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معناه: إن أقبح أو أشرّ الأصوات، وذلك نظير قولهم: إذا رأوا وجها قبيحا، أو منظرا شنيعا، ما أنكر وجه فلان، وما أنكر منظره.
وأما قوله: (لَصَوْتُ الحَمِيرِ) فأضيف الصوت، وهو واحد، إلى الحمير وهي جماعة، فإن ذلك لوجهين: إن شئت، قلت: الصوت بمعنى الجمع، كما قيل: (لَذَهَبَ بِسَمْعهمْ) وإن شئت قلت: معنى الحمير: معنى الواحد، لأن الواحد في مثل هذا الموضع يؤدّي عما يؤدي عنه الجمع.

(١) لعل فيه سقطًا، والأصل: أي أقبح الأصوات صوت... إلخ.

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ (٢٠) ﴾
يقول تعالى ذكره: (أَلَمْ تَرَوْا) أيها الناس (أنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَوَاتِ) من شمس وقمر ونجم وسحاب (وَما فِي الأرْضِ) من دابة وشجر وماء وبحر وفلك، وغير ذلك من المنافع، يجري ذلك كله لمنافعكم ومصالحكم، لغذائكم وأقواتكم وأرزاقكم وملاذّكم، تتمتعون ببعض ذلك كله، وتنتفعون بجميعه، (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً).


الصفحة التالية
Icon