الذي نسوقه إليها على يبسها وغلظها وطول عهدها بالماء زرعا خضرا، تأكل منه مواشيهم، وتغذّى به أبدانهم وأجسامهم فيعيشون به (أفَلا يُبْصرُونَ) يقول تعالى ذكره: أفلا يرون ذلك بأعينهم، فيعلموا برؤيتهموه أن القدرة التي بها فعلت ذلك لا يتعذّر عليّ أن أحيي بها الأموات، وأنشرهم من قبورهم، وأعيدهم بهيئاتهم التي كانوا بها قبل وفاتهم.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٢٨) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٢٩) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (٣٠) ﴾
يقول تعالى ذكره: (ويَقُولُونَ) هؤلاء المشركون بالله يا محمد، لك: (مَتى هَذَا الْفَتْحُ) واختلف في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: متى يجيء هذا الحكم بيننا وبينكم، ومتى يكون هذا الثواب والعقاب.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة في قوله: (ويَقُولُونَ مَتى هَذَا الفَتْحُ إن كُنْتُمْ صَادِقِينَ) قال: قال أصحاب نبي الله صلى الله عليه وسلم: إن لنا يوما أوشك أن نستريح فيه وننعم فيه. فقال المشركون: (مَتى هذا الفَتْحُ إن كُنْتُمْ صَادِقِينَ).
وقال آخرون: بل عنى بذلك فتح مكة.
والصواب من القول في ذلك قول من قال: معناه: ويقولون: متى يجيء هذا الحكم بيننا وبينكم، يعنون العذاب، يدلّ على أن ذلك معناه قوله: (قُلْ يَوْمَ الفَتْحِ لا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنظَرُونَ) ولا شكَّ أن الكفار قد كان جعل الله لهم التوبة قبل فتح مكة وبعده، ولو كان معنى قوله: (مَتى هَذَا الفَتْحُ) على ما قاله من قال: يعني به فتح مكة، لكان لا توبة لمن أسلم من المشركين بعد فتح مكة، ولا شكّ أن الله قد تاب على بشر كثير من المشركين بعد فتح مكة، ونفعهم بالإيمان به وبرسوله، فمعلوم بذلك صحة ما قلنا من التأويل، وفساد ما خالفه. وقوله: (إن كُنْتُمْ صَادِقِينَ) يعنى: إن كنتم صادقين في الذي تقولون، من أنا معاقبون على تكذيبنا محمدا صلى الله عليه وسلم، وعبادتنا الآلهة والأوثان.