واختلفت القرّاء في قراءة قوله (وَقَرْنَ فِي بِيُوتِكُنَّ) فقرأته عامة قراء المدينة وبعض الكوفيين: (وَقَرْنَ) بفتح القاف، بمعنى: واقررن في بيوتكن، وكأن من قرأ ذلك كذلك حذف الراء الأولى من اقررن، وهي مفتوحة، ثم نقلها إلى القاف، كما قيل (فظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ) وهو يريد: فظللتم، فأسقطت اللام الأولى وهي مكسورة، ثم نقلت كسرتها إلى الظاء. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة والبصرة (وَقِرْنَ) بكسر القاف، بمعنى: كن أهل وقار وسكينة (في بيوتكن).
وهذه القراءة وهي الكسر في القاف أولى عندنا بالصواب لأن ذلك إن كان من الوقار على ما اخترنا، فلا شك أن القراءة بكسر القاف، لأنه يقال: وقر فلان في منزله؛ فهو يقر وقورا، فتكسر القاف في تفعل، فإذا أمر منه قيل: قر كما يقال من وزن يزِن زِن، ومن وعد: يعِد عِد، وإن كان من القرار، فإن الوجه أن يقال: اقررن؛ لأن من قال من العرب: ظلت أفعل كذا، وأحست بكذا، فأسقط عين الفعل، وحول حركتها إلى فائه في فعل وفعلنا وفعلتم، لم يفعل ذلك في الأمر والنهي، فلا يقول: ظل قائما ولا تظل قائما، فليس الذي اعتل به من اعتل لصحة القراءة بفتح القاف في ذلك يقول العرب في ظللت وأحسست: ظلت وأحست، بعلة توجب صحته لما وصفت من العلة، وقد حكى بعضهم عن بعض الأعراب سماعا منه: ينحطن من الجبل، وهو يريد: ينحططن، فإن يكن ذلك صحيحا، فهو أقرب إلى أن يكون حجة لأهل هذه القراءة من الحجة الأخرى.
وقوله: (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلَيَّةِ الأولَى) قيل: إن التبرج في هذا الموضع: التبختر والتكسر.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى) : أي إذا خرجتن من بيوتكن، قال: كانت لهن مشية وتكسر


الصفحة التالية
Icon