واختلف أهل العربية في وجه دخول "أو" في هذا الموضع؛ فقال بعض نحويي البصرة: ليس ذلك لأنه شك ولكن هذا في كلام العرب على أنه هو المهتدي، قال: وقد يقول الرجل لعبده: أحدنا ضارب صاحبه. ولا يكون فيه إشكال على السامع أن المولى هو الضارب.
وقال آخر منهم: معنى ذلك: إنا لعلى هدى، وإنكم إياكم لفي ضلال مبين، لأن العرب تضع "أو" في موضع واو الموالاة، قال جرير:
أثَعْلَبَةَ الفَوَارسِ أوْ رِياحا... عَدَلتَ بهم طُهَيَّةَ والخِشابا (١)
قال: يعني: ثعلبة ورياحا، قال: وقد تكلم بهذا من لا يشك في دينه، وقد علموا أنهم على هدى، وأولئك في ضلال، فيقال: هذا وإن كان كلامًا واحدًا على جهة الاستهزاء، فقال: هذا لهم، وقال:
فإن يَكُ حبُّهُمْ رُشْدًا أُصِبْهُ... ولسْتُ بِمُخْطِيءٍ إن كانَ غيَّا (٢)

(١) البيت لجرير. وهو من شواهد سيبويه (الكتاب ١: ٥٢، ٤٨٩) وروايته في الموضع الثاني "أو رياحا". وفي الموضع الأول: "أم ريحا". قال: فأما إذا قلت أتضرب أو تحبس زيدا، وهو بمنزلة أزيدا أو عمرا ضربت. قال الشاعر: "أثعلبة... البيت". وإن قلت: أزيدا تضرب أو تقتل كان كقولك أتقتل زيدا أو عمرا ضربت. قال: و"أم" في كل هذا: جيد. وإن قال: أتجلس أم تذهب. فأم وأو فيه سواء.
والبيت: من شواهد أبي عبيدة في: (مجاز القرآن الورقة ٩٩ - ب) قال في تفسير الآية: (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) : لأن العرب تضع أو في موضع واو الموالاة، قال: أثعلبة الفوارس أو... البيت. يعني ثعلبة ورياحا. وقال قد يتكلم بهذا من يشك في دينه، وقد علموا أنهم على هدى، وأولئك على ضلال، فقال هذا، وإن كان كلاما واحدا، على وجه الاستهزاء يقال هذا له. وقال: إنْ يَكُنْ حُبُّهُمْ رُشْدًا أُصِبْهُ... وَلَسْتُ بِمُخْطِئٍ إنْ كانَ غَيًّا
قلت: وقد سمى ابن هشام في المعنى "أو" هذه: أو التي للإبهام.
(٢) البيت لأبي الأسود الدؤلي، قال صاحب الأغاني ترجمته: كان أَبو الأسود الدؤلي نازلا في بني قشير، وكانت بنو قشير عثمانية، وكانت امرأته أمُّ عوف منهم، فكانوا يؤذونه ويسبونه وينالون من علي بن أبي طالب بحضرته، ليغيظوه به، ويرمونه بالليل، فقال في ذلك أبياتا يهجوهم ويمدح عليا وآل بيته. فقال له بنو قشير: شككت يا أبا الأسود في صاحبك حيث تقول: (فإن يك حبهم رشدا أصبه) فقال: أما سمعتم قول الله عز وجل: (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين). أفترى الله جل وعز شكك في نبيه. وقد روي أن معاوية قال هذه المقالة، فأجابه بهذا الجواب. ا. هـ. وقال الفراء في معاني القرآن (الورقتان ٢٦٣، ٢٦٤) في تفسير قوله تعالى: (وإنا أو إياكم)... الآية: قال المفسرون: معناه: وإنا لعلى هدى، وأنتم في ضلال مبين.
معنى "أو" معنى الواو عندهم. كذلك هو المعنى. غير أن العربية على غير ذلك. لا تكون "أو" بمنزلة الواو، ولكنها تكون في الأمر المفوض (واو الإباحة) كما تقول: إن شئت خذ درهما أو اثنين، فله أن يأخذ واحدا أو اثنين، وليس له أن يأخذ ثلاثة؛ في قول من لا يبصر بالعربية، ويجعل أو بمنزلة الواو، ويجوز له أن يأخذ ثلاثة، لأنه في قولهم بمنزلة قولك: خذ درهما واثنين.
فالمعنى في قوله: (إنا أو إياكم) إنا لضالون أو مهتدون، وإنكم أيضا لضالون أو مهتدون، وهو يعلم أن رسوله المهتدي، وأن غيره الضالون... إلخ ما قاله.


الصفحة التالية
Icon