وقال: يريد ما في قومها أحد، وقال بعض نحويي الكوفيين: إذا أظهرت "أن" فهي في موضع رفع، كما قال: (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ - وَمَنَامُكُمْ) فإذا حذفت جعلت (مِنْ) مؤدّية عن اسم متروك، يكون الفعل صلة، كقول الشاعر:
وَما الدَّهْرُ إلا تارَتانِ فَمِنْهُما | أموتُ وأُخْرَى أبْتَغي العَيْش أَكْدحُ (١) |
والصواب من القول في ذلك أن "من" في قوله: (وَمِنْ آياتِهِ) تدل على المحذوف، وذلك أنها تأتي بمعنى التبعيض. وإذا كانت كذلك، كان معلوما أنها تقتضي البعض، فلذلك تحذف العرب معها الاسم؛ لدلالتها عليه.
(١) البيت لتميم بن أبي مقبل، وهو شاعر إسلامي (خزانة الأدب الكبرى للبغدادي) ٢: ٣٠٨ (وهو شاهد على أن جملة أموت صفة لموصوف محذوف أي تارة أموت فيها أو أموتها، وتارة أخرى أبتغي العيش فيها. هكذا قدره سيبويه. وقال الفراء في (معاني القرآن، الورقة ٢٤٧) : كأنه أراد: فمنها ساعة أموتها، وساعة أعيشها. وكذلك: ومن آياته آية للبرق، وآية لكذا، وإن شئت: يريكم من آياته البرق، فلا تضمر (أن) ولا غيره. اهـ. وأنشد البيت الزجاج في تفسيره، عند قوله تعالى: (من الذين هادوا يحرفون الكلم) أي قوم يحرفون، كهذا البيت. والمعنى منهما: تارة أموت فيها. فحذف تارة، وأقام الجملة التي هي صفة نائبة عنها... إلخ.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (٢٥) ﴾