ما سألوا النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم لو لم تكن على وجه الاستهزاء منهم لم يكن بالذي يتبع الأمر بالصبر عليه، ولكن لما كان ذلك استهزاء، وكان فيه لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أذى، أمره الله بالصبر عليه حتى يأتيه قضاؤه فيهم، ولما لم يكن في قوله (عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا) بيان أيّ القطوط إرادتهم، لم يكن لما توجيه ذلك إلى أنه معني به القطوط ببعض معاني الخير أو الشرّ، فلذلك قلنا إن مسألتهم كانت بما ذكرت من حظوظهم من الخير والشر.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (١٧) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإشْرَاقِ (١٨) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (١٩) وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (٢٠) ﴾
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: اصبر يا محمد على ما يقول مشركو قومك لك مما تكره قيلهم لك، فإنا ممتحنوك بالمكاره امتحاننا سائر رسلنا قبلك، ثم جاعلو العلوّ والرفعة والظفر لك على من كذبك وشاقك سنتنا في الرسل الذين أرسلناهم إلى عبادنا قبلك فمنهم عبدنا أيوب وداود بن إيشا، فاذكره ذا الأيد; ويعني بقوله (ذَا الأيْدِ) ذا القوّة والبطش الشديد في ذات الله والصبر على طاعته.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (دَاوُدَ ذَا الأيْدِ) قال: ذا القوّة.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثني أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح،


الصفحة التالية
Icon