في عبادة الأوثان، فحصل له الأوثان أندادا، لأن ذلك في سياق عتاب الله إياهم له على عبادتها.
وقوله: (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) يقول: ليزيل من أراد أن يوحد الله ويؤمن به عن توحيده، والإقرار به، والدخول في الإسلام. وقوله: (قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلا) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: قل يا محمد لفاعل ذلك: تمتع بكفرك بالله قليلا إلى أن تستوفي أجلك، فتأتيك منيتك (إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) : أي إنك من أهل النار الماكثين فيها. وقوله: (تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ) : وعيد من الله وتَهَدُّدٌ.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ (٩) ﴾
اختلفت القرّاء في قراءة قوله: (أَمِنَ) فقرأ ذلك بعض المكيين وبعض المدنيين وعامة الكوفيين:"أمن" بتخفيف الميم، ولقراءتهم ذلك كذلك وجهان: أحدهما أن يكون الألف في"أمَّنْ" بمعنى الدعاء، يراد بها: يا من هو قانت آناء الليل، والعرب تنادي بالألف كما تنادي بيا، فتقول: أزيد أقبل، ويا زيد أقبل، ومنه قول أوس بن حجر:

أبَنِي لُبَيْنَى لَسْتُم بِيَدٍ إلا يَدٌ لَيْسَتْ لَهَا عَضُدُ (١)
(١) تقدم الاستشهاد بالبيت في الجزء (١٤: ١١٠) وشرحناه شرحا مفصلا، فراجعه ثمة. والبيت من شواهد الفراء في معاني القرآن (الورقة ٢٨٤) وموضع الاستشهاد به في هذا الموضع أن العرب تنادي بالهمزة، كما تنادي بيا. قال الفراء: عند قوله تعالى" أم من هو قانت آناء الليل" قرأها يحيي بن وثاب بالتخفيف. وذكر ذلك عن نافع وحمزة، وفسروها: يريد: يا من هو قانت، وهو وجه حسن. العرب تدعو بألف كما يدعون بيا، فيقولون: يا زيد أقبل، وأزيد أقبل؛ قال الشاعر:" أبني لبيني... البيت" وقال آخر:" أضمر بن ضمرة... البيت". وهو كثير في الشعر، فيكون المعنى مردودا بالدعاء، كالمنسوق، لأنه ذكر الناسي الكافر، ثم قص قصة الصالح بالنداء، كما تقول في كلام: فلان لا يصلي ولا يصوم، فيا من يصلي ويصوم أبشر. فهذا هو معناه. وقد تكون الألف استفهاما، وبتأويل أم، لأن العرب قد تضع" أم" في موضع الألف، إذا سبقها كلام، وقد وصفت من ذلك ما يكتفي به، فيكون المعنى أمن هو قانت؟ كالأول الذي ذكر بالنسيان والكفر. ومن قرأها بالتشديد، فإنه يريد معنى الألف وهو الوجه: أن تجعل" أم" إذا كانت مردودة على معنى قد سبق، قلتها بأم. وقد قرأها الحسن وعاصم وأبو جعفر المدني، يريدون" أم من هو" فقد تبين في الكلام أنه مضمر قد جرى معناه في أول الكلمة، إذ ذكر الضال، ثم ذكر المهتدي بالاستفهام فهو دليل على أنه يريد: أهذا مثل هذا؟ أو أهذا أفضل؟ ومن لم يعرف مذاهب العرب، ويتبين له المعنى في هذا وشبهه، لم يكتف ولم يشتف. اهـ.


الصفحة التالية
Icon