مع موسى، فمن قال هذا القول، وتأوّل هذا التأويل، كان صوابا الوقف إذا أراد القارئ الوقف على قوله: (مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ)، لأن ذلك خبر متناه قد تمّ.
وقال آخرون: بل كان الرجل إسرائيليا، ولكنه كان يكتم إيمانه من آل فرعون.
والصواب على هذا القول لمن أراد الوقف أن يجعل وقفه على قوله: (يَكْتُمُ إِيمَانَهُ) لأن قوله: (مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) صلة لقوله: (يَكْتُمُ إِيمَانَهُ) فتمامه قوله: يكتم إيمانه، وقد ذكر أن اسم هذا الرجل المؤمن من آل فرعون: جبريل، كذلك حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق.
وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي القول الذي قاله السديّ من أن الرجل المؤمن كان من آل فرعون، قد أصغى لكلامه، واستمع منه ما قاله، وتوقف عن قتل موسى عند نهيه عن قتله. وقيله ما قاله. وقال له: ما أريكم إلا ما أرى، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد، ولو كان إسرائليا لكان حريا أن يعاجل هذا القاتل له، ولملئه ما قال بالعقوبة على قوله، لأنه لم يكن يستنصح بني إسرائيل، لاعتداده إياهم أعداء له، فكيف بقوله عن قتل موسى لو وجد إليه سبيلا؟ ولكنه لما كان من ملأ قومه، استمع قوله، وكفّ عما كان همّ به في موسى.
وقوله: (أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ) يقول: أتقتلون أيها القوم موسى لأن يقول ربي الله؟ فإن في موضع نصب لما وصفت. (وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ) يقول: وقد جاءكم بالآيات الواضحات على حقيقة ما يقول من ذلك. وتلك البيّنات من الآيات يده وعصاه.
كما حدثنا ابن حميد، قال. ثنا سلمة، عن ابن إسحاق (وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ) بعصاه وبيده.
وقوله: (وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ) يقول: وإن يك موسى كاذبا في قيله: إن الله أرسله إليك يأمركم بعبادته، وترك دينكم الذي أنتم عليه، فإنما