يقول تعالى ذكره: فإن يصبر هؤلاء الذين يحشرون إلى النار على النار، فالنار مسكن لهم ومنزل. يقول: وإن يسألوا العُتبى، وهي الرجعة لهم إلى الذي يحبون بتخفيف العذاب عنهم. يقول: فليسوا بالقوم الذين يرجع بهم إلى الجنة، فيخفف عنهم ما هم فيه من العذاب، وذلك كقوله جلّ ثناؤه مخبرا عنهم: (قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا)... إلى قوله (وَلا تُكَلِّمُونِ) وكقولهم لخزنة جهنم: (ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ)... إلى قوله: (وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ).
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (٢٥) ﴾
يعنى تعالى ذكره بقوله: (وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ) وبعثنا لهم نُظراء من الشياطين، فجعلناهم لهم قرناء قرنَّاهم بهم يزيِّنون لهم قبائح أعمالهم، فزينوا لهم ذلك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ (وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ) قال: الشيطان.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ) قال: شياطين.
وقوله: (فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ) يقول: فزين لهؤلاء الكفار قرناؤُهم من الشياطين ما بين أيديهم من أمر الدنيا. فحسنوا ذلك لهم وحبَّبوه