فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) لا تسجدوا أيها الناس للشمس ولا للقمر، فإنهما وإن جريا في الفلك بمنافعكم، فإنما يجريان به لكم بإجراء الله إياهما لكم طائعين له في جريهما ومسيرهما، لا بأنهما يقدران بأنفسهما على سير وجري دون إجراء الله إياهما وتسييرهما، أو يستطيعان لكم نفعا أو ضرّا، وإنما الله مسخرهما لكم لمنافعكم ومصالحكم، فله فاسجدوا، وإياه فاعبدوا دونها، فإنه إن شاء طمس ضوءهما، فترككم حيارى في ظلمة لا تهتدون سبيلا ولا تبصرون شيئا. وقيل: (وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ) فجمع بالهاء والنون، لأن المراد من الكلام: واسجدوا لله الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر، وذلك جمع، وأنث كنايتهن، وإن كان من شأن العرب إذا جمعوا الذكر إلى الأنثى أن يخرجوا كنايتهما بلفظ كناية المذكر فيقولوا: أخواك وأختاك كلموني، ولا يقولوا: كلمنني، لأن من شأنهم أن يؤنثوا أخبار الذكور من غير بني آدم في الجمع، فيقولوا: رأيت مع عمرو أثوابا فأخذتهن منه. وأعجبني خواتيم لزيد قبضتهنّ منه.
وقوله: (إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) يقول: إن كنتم تعبدون الله، وتذلون له بالطاعة; وإن من طاعته أن تخلصوا له العبادة، ولا تشركوا في طاعتكم إياه وعبادتكموه شيئا سواه، فإن العبادة لا تصلح لغيره ولا تنبغي لشيء سواه.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (٣٨) ﴾
يقول تعالى ذكره: فإن استكبر يا محمد هؤلاء الذين أنت بين أظهرهم من مشركي قريش، وتعظموا عن أن يسجدوا لله الذي خلقهم وخلق الشمس والقمر، فإن الملائكة الذين عند ربك لا يستكبرون عن ذلك، ولا يتعظمون عنه، بل يسبحون له، ويصلون ليلا ونهارًا، (وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ) يقول وهم لا يفترون عن عبادتهم، ولا يملون الصلاة له.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.


الصفحة التالية
Icon