(وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا) بمعنى: جمع عبد. فمعنى الكلام على قراءة هؤلاء: وجعلوا ملائكة الله الذين هم خلقه وعباده بنات الله، فأنثوهم بوصفهم إياهم بأنهم إناث.
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان في قراءة الأمصار صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، وذلك أن الملائكة عباد الله وعنده.
واختلفوا أيضًا في قراءة قوله: (أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ) فقرأ ذلك بعض قرّاء المدينة"أشهدوا خلقهم" بضم الألف، على وجه ما لم يسمّ فاعله، بمعنى: أأشهد الله هؤلاء المشركين الجاعلين ملائكة الله إناثا، خلق ملائكته الذين هم عنده، فعلموا ما هم، وأنهم إناث، فوصفوهم بذلك، لعلمهم بهم، وبرؤيتهم إياهم، ثم رد ذلك إلى ما لم يسمّ فاعله.
وقرئ بفتح الألف، بمعنى: أشهدوا هم ذلك فعلموه؟ والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
وقوله: (سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ) يقول تعالى ذكره: ستكتب شهادة هؤلاء القائلين: الملائكة بنات الله في الدنيا، بما شهدوا به عليهم، ويسألون عن شهادتهم تلك في الآخرة أن يأتوا ببرهان على حقيقتها، ولن يجدوا إلى ذلك سبيلا.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ (٢٠) أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (٢١) ﴾
يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء المشركون من قريش: لو شاء الرحمن ما عبدنا أوثاننا التي نعبدها من دونه، وإنما لم يحلّ بنا عقوبة على عبادتنا إياها