عن مجاهد، قوله: (وَلأبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ) قال: من تبديل التوراة.
وقد قيل: معنى البعض في هذا الموضع بمعنى الكلّ، وجعلوا ذلك نظير قول لبيد؟

تَرَّاكُ أمْكِنَةٍ إذَا لَمْ أرْضَهَا أوْ يَعْتَلِقْ بَعْضَ النُّفوسِ حِمامُها (١)
قالوا: الموت لا يعتلق بعض النفوس، وإنما المعنى: أو يعتلق النفوس حمامها، وليس لما قال هذا القائل كبير معنى، لأن عيسى إنما قال لهم: (وَلأبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ)، لأنه قد كان بينهم اختلاف كثير في أسباب دينهم ودنياهم، فقال لهم: أبين لكم بعض ذلك، وهو أمر دينهم دون ما هم فيه مختلفون من أمر دنياهم، فلذلك خص ما أخبرهم أنه يبينه لهم. وأما قول لبيد:"أو يعتلق بعض النفوس"، فإنه إنما قال ذلك أيضا كذلك، لأنه أراد: أو يعتلق نفسه حمامها، فنفسه من بين النفوس لا شكّ أنها بعض لا كل.
وقوله: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) يقول: فاتقوا ربكم أيها الناس بطاعته، وخافوه باجتناب معاصيه، وأطيعون فيما أمرتكم به من اتقاء الله واتباع أمره، وقبول نصيحتي لكم.
وقوله: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ) يقول: إن الله الذي يستوجب
(١) البيت للبيد (مجاز القرآن لأبي عبيدة. الورقة ٢٢١) أنشده عند قوله تعالى: (لأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه) قال: البعض هاهنا: كله. قال لبيد:" تراك... البيت". وفي شرح الزوزني للمعلقات السبع (ص ١١٦) يقول: إني تراك أماكن إذا لم أرضها إلا أن يرتبط نفسي حمامها، فلا يمكنها البراح. وأراد ببعض النفوس هنا: نفسه. هذا أوجه الأقوال وأحسنها. ومن جعل بعض النفوس بمعنى كل النفوس، فقد أخطأ لأن بعضا لا يفيد العموم والاستيعاب. وتحرير المعنى: إني لا أترك الأماكن أجتويها وأقلبها، إلا أن أموت. وقال التبريزي في شرح القصائد العشر، (ص ١٦٠) يقول: أترك الأمكنة إذا رأيت فيها ما يكره إلا أن يدركني الموت. وأراد بالنفوس نفسه، ويعتلق: يحبس. والحمام: الموت. ويقال القدر. وقوله أو يعتلق مجزوم عطفا على قوله: إذا لم أرضها. اهـ.


الصفحة التالية
Icon