الدخان؟ ذلك دخان يأتي يوم القيامة، فيأخذ أسماع المنافقين وأبصارهم، ويأخذ المؤمنين منه شبه الزكام؟ قال: فأتينا ابن مسعود، فذكرنا ذلك له وكان مضطجعا، ففزع، فقعد فقال: إن الله عزّ وجلّ قال لنبيه ﷺ (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) إن من العلم أن يقول الرجل لما لا يعلم: الله أعلم، سأحدثكم عن ذلك، إن قريشا لما أبطأت عن الإسلام، واستعصت على رسول الله ﷺ دعا عليهم بسنين كسني يوسف، فأصابهم من الجهد والجوع حتى أكلوا العظام والميتة، وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السماء فلا يرون إلا الدخان.
قال الله تبارك وتعالى (يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ) فقالوا (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ) قال الله جل ثناؤه (إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) قال: فعادوا يوم بدر فانتقم الله منهم.
حدثني عبد الله بن محمد الزهريّ، قال: ثنا مالك بن سُعَير، قال: ثنا الأعمش، عن مسلم، عن مسروق قال: كان في المسجد رجل يذكر الناس، فذكر نحو حديث عيسى، عن يحيى بن عيسى، إلا أنه قال: فانتقم يوم بدر، فهي البطشة الكبرى.
حدثنا ابن حميد، وعمرو بن عبد الحميد، قالا ثنا جرير، عن منصور، عن أبي الضحى مسلم بن صبيح، عن مسروق، قال: كنا عند عبد الله بن مسعود جلوسا وهو مضطجع بيننا، فأتاه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن: إن قاصا عند أبواب كندة يقص ويزعم أن آية الدخان تجيء فتأخذ بأنفاس الكفار، ويأخذ المؤمنين منه كهيئة الزكام، فقام عبد الله وجلس وهو غضبان، فقال: يا أيها الناس اتقوا الله، فمن علم شيئا فليقل بما يعلم، ومن لا يعلم فليقل: الله أعلم.
وقال عمرو: فإنه أعلم لأحدكم أن يقول لما لا يعلم الله أعلم، وما على أحدكم أن يقول لما لا يعلم: لا أعلم، فإن الله عزّ وجلّ يقول لنبيه محمد صلى الله
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (وَوَضَعَ الْمِيزَانَ) قال: العدل.
وقوله: (أَلا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ) يقول تعالى ذكره: ألا تظلموا وتبخسوا في الوزن.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (أَلا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ) : اعدل يا ابن آدم كما تحب أن يعدل عليك، وأوف كما تحبّ أن يُوَفى لك، فإن بالعدل صلاح الناس.
وكان ابن عباس يقول: يا معشر المَوالِي، إنكم قد وليتم أمرين، بهما هلك من كان قبلكم، هذا المكيال والميزان.
حدثنا عمرو بن عبد الحميد، قال: ثنا مروان بن معاوية، عن مغيرة، عن مسلم، عن أبي المغيرة، قال: سمعت ابن عباس يقول في سُوق المدينة: يا معشر الموالي، إنكم قد بُليتم بأمرين أهلك فيهما أمتان من الأمم: المِكْيال، والميزان.
قال: ثنا مروان، عن مغيرة، قال: رأى ابن عباس رجلا يزن قد أرجح، فقال: أقم اللسان، أقم اللسان، أليس قد قال الله: (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ).
وقوله: (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ) يقول: وأقيموا لسان الميزان بالعدل.
وقوله: (وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ) يقول تعالى ذكره: ولا تنقصوا الوزن إذا وزنتم للناس وتظلموهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك: