حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ)... إلى (إِسْرَارَهُمْ) هم أهل النفاق. وهذه الصفة بصفة أهل النفاق عندنا، أشبه منها بصفة أهل الكتاب، وذلك أن الله عزّ وجلّ أخبر أن ردّتهم كانت بقيلهم (لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نزلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأمْرِ) ولو كانت من صفة أهل الكتاب، لكان في وصفهم بتكذيب محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم الكفاية من الخبر عنهم بأنهم إنما ارتدّوا من أجل قيلهم ما قالوا.
وقوله (الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ) يقول تعالى ذكره: الشيطان زين لهم ارتدادهم على أدبارهم، من بعد ما تبين لهم الهدى.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ) يقول: زين لهم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (سَوَّلَ لَهُمْ) يقول: زين لهم.
وقوله (وَأَمْلَى لَهُمْ) يقول: ومدّ الله لهم في آجالهم مُلاوة من الدهر، ومعنى الكلام: الشيطان سوّل لهم، والله أملى لهم.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الحجاز والكوفة (وَأَمْلَى لَهُمْ) بفتح الألف منها بمعنى: وأملى الله لهم. وقرأ ذلك بعض أهل المدينة والبصرة (وَأُمْلِيَ لَهُمْ) على وجه ما لم يسمّ فاعله. وقرأ مجاهد فيما ذُكر عنه (وَأُمْلِي) بضم الألف وإرسال الياء على وجه الخبر من الله جلّ ثناؤه عن نفسه أنه يفعل ذلك بهم.
وأولى هذه القراءات بالصواب، التي عليها عامة قرّاء الحجاز والكوفة من


الصفحة التالية
Icon