كلام الله: أرادوا أن يغيروا كلام الله الذي قال لنبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ويخرجوا معه وأبى الله ذلك عليهم ونبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.
وهذا الذي قاله ابن زيد قول لا وجه له، لأن قول الله عزّ وجلّ (فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا) إنما نزل على رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم مُنْصَرَفَه من تَبوك، وعُنِي به الذين تخلَّفوا عنه حين توجه إلى تبوك لغزو الروم، ولا اختلاف بين أهل العلم بمغازي رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن تبوك كانت بعد فتح خيبر وبعد فتح مكة أيضا، فكيف يجوز أن يكون الأمر على ما وصفنا معنيا بقول الله (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ) وهو خبر عن المتخلفين عن المسير مع رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، إذ شخص معتمرا يريد البيت، فصدّه المشركون عن البيت، الذين تخلَّفوا عنه في غزوة تبوك، وغزوة تبوك لم تكن كانت يوم نزلت هذه الآية، ولا كان أُوحِيَ إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قوله (فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا).
فإذ كان ذلك كذلك، فالصواب من القول في ذلك: ما قاله مجاهد وقتادة على ما قد بيَّنا.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ) فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة، وبعض قرّاء الكوفة (كَلامَ اللهِ) على وجه المصدر، بإثبات الألف. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة (كَلِمَ اللهِ) بغير ألف، بمعنى جمع كلمة، وهما عندنا قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار، متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، وإن كنتُ إلى قراءته بالألف أَمْيل.
وقوله (قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: قل لهؤلاء المخلفين عن المسير معك يا محمد: لن تتبعونا إلى خيبر إذا أردنا السير إليهم لقتالهم (كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ) يقول: هكذا قال الله لنا من قبل مَرْجِعنا إليكم، إن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية معنا،