بدلالة ما ذُكر عليه من ذكره، وذلك أن الله دلّ بخبره عن تكذيب هؤلاء المشركين الذين ابتدأ هذه السورة بالخبر عن تكذيبهم رسوله محمدا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بقوله (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ) على وعيده إياهم على تكذيبهم محمدا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فكأنه قال لهم: إذ قالوا منكرين رسالة الله رسوله محمدا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم (هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ) ستعلمون أيها القوم إذا أنتم بُعثتم يوم القيامة ما يكون حالكم في تكذيبكم محمدا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وإنكاركم نبوّته، فقالوا مجيبين رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا) نعلم ذلك، ونرى ما تعدنا على تكذيبك (ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) : أي أن ذلك غير كائن، ولسنا راجعين أحياء بعد مماتنا، فاستغني بدلالة قوله (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) فقال الكافرون (هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ) من ذكر ما ذكرت من الخبر عن وعيدهم.
وفيما حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) قالوا: كيف يحيينا الله، وقد صرنا عظاما ورفاتا، وضللنا في الأرض، دلالة على صحة ما قلنا من أنهم أنكروا البعث إذا توعِّدوا به.
وقوله (قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأرْضُ مِنْهُمْ) يقول تعالى ذكره: قد علمنا ما تأكل الأرض من أجسامهم بعد مماتهم، وعندنا كتاب بما تأكل الأرض وتفني من أجسامهم، ولهم كتاب مكتوب مع علمنا بذلك، حافظ لذلك كله، وسماه الله تعالى حفيظا، لأنه لا يدرس ما كتب فيه، ولا يتغير ولا يتبدل.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، فال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأرْضُ مِنْهُمْ) يقول: ما تأكل الأرض من لحومهم وأبشارهم وعظامهم وأشعارهم.