من أجور عملهم شيئا.
وإنما قلت: ذلك أولى التأويلات به، لأن ذلك الأغلب من معانيه، وإن كان للأقوال الأخر وجوه.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (وأتْبَعْناهُم ذُرّيَّاتِهِمْ بإيمانٍ أَلْحَقْنَا بهم ذرّيَّاتِهِمْ) فقرأ ذلك عامه قرّاء المدينة (وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ) على التوحيد بإيمان (أَلْحَقْنَا بهم ذرّيَّاتِهِمْ) على الجمع، وقرأته قراء الكوفة (وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) كلتيهما بإفراد. وقرأ بعض قرّاء البصرة وهو أبو عمرو (وأتْبَعْناهُم ذُرّيَّاتِهِمْ بإيمانٍ أَلْحَقْنَا بهم ذرّيَّاتِهِمْ).
والصواب من القول في ذلك أن جميع ذلك قراءات معروفات مستفيضات في قراءة الأمصار، متقاربات المعاني، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
وقوله: (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) يقول تعالى ذكره: وما ألتنا الآباء، يعني بقوله: (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ) : وما نقصناهم من أجور أعمالهم شيئا، فنأخذه منهم، فنجعله لأبنائهم الذين ألحقناهم بهم، ولكنا وفَّيناهم أجور أعمالهم، وألحقنا أبناءهم بدرجاتهم، تفضلا منا عليهم. والألت في كلام العرب: النقص والبخس، وفيه لغة أخرى، ولم يقرأ بها أحد نعلمه، ومن الألت قول الشاعر:

أبْلغْ بني ثُعَل عَنَّي مُغلغَلَةً جَهْدَ الرّسالة لا ألْتا ولا كَذبا (١)
يعني: لا نُقصان ولا زيادة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
(١) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن (الورقة ٣١٣ - ٣١٤) قال: وقوله: " وما ألتناهم " الألت: النقص. وفيه لغة أخرى: " وما ألتناهم من عملهم من شيء ". وكذلك هي في قراءة عبد الله (ابن مسعود) وأبي بن كعب، قال الشاعر: " أبلغ بني ثعل... البيت ". يقول: لا نقصان ولا زيادة. وقال الآخر (نسبه أبو عبيدة إلى رؤبة) : والليت هاهنا: لم يثنني عنها نقص بي، ولا عجز عنها. وفي (اللسان: ليت) :" ولاته عن وجهه يليته ويلوته لوتا: أي حبسه عن وجهه وصرفه. قال الراجز: " وليلة ذات ندى... البيتين " أ. هـ. وقال أبو عبيدة في مجاز القرآن: " وما ألتناهم ": أي ما نقصناهم ولا حبسنا منه شيئا أ. هـ.


الصفحة التالية
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2024
Icon
وليلة ذات ندى سريت ولم يلتني عن سراها ليت