قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: "لا تَحِلُّ الصَّدقَةَ لِغَنِيّ، وَلا لذي مرةٍ سَويَّ".
وقوله (فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالأفُقِ الأعْلَى) يقول: فاستوى هذا الشديد القويّ وصاحبكم محمد بالأفق الأعلى، وذلك لما أسري برسول الله ﷺ استوى هو وجبريل عليهما السلام بمطلع الشمس الأعلى، وهو الأفق الأعلى، وعطف بقوله: "وَهُوَ" على ما في قوله: "فاسْتَوَى" من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم، والأكثر من كلام العرب إذا أرادوا العطف في مثل هذا الموضع أن يظهروا كناية المعطوف عليه، فيقولوا: استوى هو وفلان، وقلَّما يقولون استوى وفلان، وذكر الفرّاء عن بعض العرب أنه أنشده:
ألَمْ تَرَ أنَّ النَّبْعَ يَصْلُبُ عودُهُ | وَلا يَسْتَوي والخِرْوَعُ المُتَقَصِّفُ (١) |
(١) هذا البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن (الورقة ٣١٤) وفي روايته " يخلق " في مكان " يصلب ". والخروع: شجرة لينة الأغصان، تتقصف أفنانها للينها، ومن ثمرها يستخرج زيت الخروع الذي يستعمل في أغراض طبية وصناعية. والنبع شجر صلب ينبت في أعالي الجبال، تتخذ من خشبه القسي والسهام. وبينه وبين الخروع بون بعيد في صلابة العود. واستشهد الفراء بالبيت عند قوله تعالى " فاستوى وهو بالأفق الأعلى " أي استوى (هو) أي جبريل، وهو أي محمد ﷺ بالأفق الأعلى، وعطف هو البارز على هو المستتر، فأضمر الاسم في استوى، ورد عليه هو، قال: وأكثر كلام العرب أن يقولوا: استوى هو وأبوه؛ ولا يكادون يقولون: استوى وأبوه، وهو جائز لأن في الفعل مضمرا؛ أنشدني بعضهم: " ألم تر أن النبع... البيت ". وقال الله وهو أصدق قيلا: (أئذا كنا ترابا وآباؤنا) فرد الآباء على المضمر في كنا، إلا أنه حسن لما حيل بينهما بالتراب، والكلام: أئذا كنا ترابا نحن وآباؤنا أ. هـ.