جعلت الجبال تشمخ، فتواضع الجوديّ، فرفعه الله على الجبال، وجعل قرار السفينة عليه.
وقوله (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) يقول: فهل من ذي تذكر يتذكر ما قد فعلنا بهذه الأمة التي كفرت بربها، وعصت رسوله نوحا، وكذبته فيما أتاهم به عن ربهم من النصيحة، فيعتبر بهم، ويحذر أن يَحل به من عذاب الله بكفره بربه، وتكذيبه رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم، مثل الذي حلّ بهم، فينيب إلى التوبة، ويراجع الطاعة. وأصل مدّكر: مفتعل من ذكر، اجتمعت فاء الفعل، وهي ذال، وتاء وهي بعد الذال، فصيرتا دالا مشدّدة، وكذلك تفعل العرب فيما كان أوّله ذالا يتبعها تاء الافتعال يجعلونهما جميعا دالا مشدّدة، فيقولون: ادّكرت ادكارًا، وإنما هو اذتكرت اذتكارا، وفهل من مذتكر، ولكن قيل: ادكرت ومدّكر لما قد وصفت، قد ذُكر عن بعض بني أسد أنهم يقولون في ذلك مذّكر، فيقلبون الدال ويعتبرون الدال والتاء ذالا مشددة، وذُكر عن الأسود بن يزيد أنه قال: قلت لعبد الله بن مسعود: فهل من مدّكر، أو مذّكر، فقال: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مُذَّكر) يعنى بذال مشددة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) قال: المدّكر: الذي يتذكر، وفي كلام العرب: المذكر: المتذكر.
حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) قال: فهل من مذّكر.
وقوله (فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ) يقول تعالى ذكره: فكيف كان عذابي لهؤلاء الذين كفروا بربهم من قوم نوح، وكذّبوا رسوله نوحا، إذ تمادوا في غيهم وضلالهم، وكيف كان إنذاري بما فعلت بهم من العقوبة التي أحللت بهم بكفرهم بربهم، وتكذيبهم رسوله نوحا، صلوات الله عليه، وهو إنذار لمن كفر من


الصفحة التالية
Icon