القول في تأويل قوله تعالى: ﴿ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٣٥) ﴾
يقول تعالى ذكره: يقال لهم: هذا الذي حلّ بكم من عذاب الله اليوم (بِأَنَّكُمْ) في الدنيا (اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا)، وهي حججه وأدلته وآي كتابه التي أنزلها على رسوله ﷺ (هُزُوًا) يعني سخرية تسخرون منها (وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) يقول: وخدعتكم زينة الحياة الدنيا. فآثرتموها على العمل لما ينجيكم اليوم من عذاب الله، يقول تعالى ذكره: (فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا مِنَ النَّارِ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) يقول: ولا هم يردّون إلى الدنيا ليتوبوا ويراجعوا الإنابة مما عوقبوا عليه.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الأرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٣٦) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣٧) ﴾
يقول تعالى ذكره (فَلِلَّهِ الْحَمْدُ) على نِعمه وأياديه عند خلقه، فإياه فاحمدوا أيها الناس، فإن كلّ ما بكم من نعمة فمنه دون ما تعبدون من دونه من آلهة ووثن، ودون ما تتخذونه من دونه ربا، وتشركون به معه (رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الأرْضِ) يقول: مالك السموات السبع، ومالك الأرضين السبع و (رَبِّ الْعَالَمِينَ) يقول: مالك جميع ما فيهنّ من أصناف الخلق، وله الكبرياء في السموات والأرض يقول: وله العظمة والسلطان في السموات والأرض دون ما سواه من الآلهة والأنداد (وَهُوَ الْعَزِيزُ) في نقمته من أعدائه، القاهر كل ما دونه، ولا يقهره شيء (الْحَكِيمُ) في تدبيره خلقه وتصريفه إياهم فيما شاء كيف شاء، والله أعلم.
آخر تفسير سورة الجاثية