منذ أسلمت، ولكني كنت امرأ غريبًا فيكم أيُّها الحيّ من قريش، وكان لي بمكة مال وبنون، فأردت أن أدفع بذلك عنهم، فقال عمر رضي الله عنه: ائذن لي يا رسول الله فأضرب عنقه، فقال النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "مَهْلا يا ابْن الخطَّاب، ومَا يُدْرِيكَ لَعَلَ الله قَدِ اطَّلَعَ إلَى أَهْل بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فإنِّي غَافِرٌ لَكُمْ " قال الزهريّ: فيه نزلت حتى (غَفُورٌ رَحِيمٌ)
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ)... إلى قوله: (بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) في مكاتبة حاطب بن أبي بلتعة، ومن معه كفار قريش يحذّرهم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ)... حتى بلغ (سَوَاءَ السَّبِيلِ) : ذُكِر لنا أن حاطبًا كتب إلى أهل مكة يخبرهم سير النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إليهم زمن الحديبية، فأطلع الله عزّ وجلّ نبيه عليه الصلاة والسلام على ذلك، وذُكر لنا أنهم وجدوا الكتاب مع امرأة في قرن من رأسها، فدعاه نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فقال: "مَا حَمَلَكَ عَلَى الَّذِي صَنَعْتَ؟ " قال: والله ما شَكَكْتُ في أمر الله، ولا ارتددت فيه، ولكن لي هناك أهلا ومالا فأردت مصانعة قريش على أهلي ومالي. وذُكر لنا أنه كان حليفًا لقريش لم يكن من أنفسهم، فأنزل الله عزّ وجلّ في ذلك القرآن، فقال: (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ).
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (٢) لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣) ﴾