وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ) يقول: في ضلال.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ) قال: كفور.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمْ مَنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ (٢٢) ﴾
يقول تعالى ذكره: (أَفَمَنْ يَمْشِي) أيها الناس (مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ) لا يبصر ما بين يديه، وما عن يمينه وشماله (أَهْدَى) : أشدّ استقامة على الطريق، وأهدى له، (أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا) مشي بني آدم على قدميه (عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) يقول: على طريق لا اعوجاج فيه؛ وقيل (مُكِبًّا) لأنه فعل غير واقع، وإذا لم يكن واقعا أدخلوا فيه الألف، فقالوا: أكبّ فلان على وجهه، فهو مكبّ؛ ومنه قول الأعشى:
مُكِبا على رَوْقَيْه يَحْفِرُ عِرْقَها عَلَى ظَهْر عُرْيان الطَّرِيقةِ أهْيَما (١)
فقال: مكبا، لأنه فعل غير واقع، فإذا كان واقعا حُذفت منه الألف، فقيل:

(١) البيت لأعشى بني قيس بن ثعلبة (ديوانه ٢٩٥) من قصيدة يمدح بها إياس بن قبيصة الطائي، والبيت في وصف ثور شبه به ناقة. ومكبا: مطأطئا رأسه يحفر الأرطاة (في البيت قبله) ليتخذ فيها كناسا يأوى إليه. وروقية: قرنيه. وعلى ظهر عريان الطريقة: على ظاهر الطريق. وأهيم منهار لا يتماسك، وهو من صفة (عريان الطريقة). يقول: أكب الثور على أصل الشجرة بقرينه يحفر فيها بيتا يؤويه، في هذا الموضع المكشوف، الذي تنهال رماله غير متماسكة. وقد أورد المؤلف البيت شاهدا على قول الله تعالى: (أفمن يمشي مكبا على وجهه) أي مطرقا إلى الأرض. وقال الفراء في معاني القرآن. (الورقة ٣٣٨) وقوله: (أفمن يمشي مكبا على وجهه) تقول: قد أكب الرجل إذا كان فعل غير واقع على أحد (غير متعد) فإذا وقع الفعل (تعدى) أسقطت الألف، فتقول: قد كبه الله لوجهه، وكببته أنا لوجهه. اهـ


الصفحة التالية
Icon