وقوله: (خُضرٌ) اختلف القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه أبو جعفر القارئ وأبو عمرو برفع: (خُضْرٌ) على أنها نعت للثياب، وخفض (إستَبْرَقٍ) عطفا به على السندس، بمعنى: وثياب إستبرق. وقرأ ذلك عاصم وابن كثير (خُضْرٍ) خفضا (وإسْتَبْرَقٌ) رفعا، عطفا بالإستبرق على الثياب، بمعنى: عاليهم إستبرق، وتصييرا للخضر نعتا للسندس. وقرأ نافع ذلك: (خُضْرٌ) رفعا على أنها نعت للثياب (وإسْتَبْرَقٌ) رفعا عطفا به على الثياب. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: (خُضْرٍ وإسْتَبْرَقٍ) خفضا كلاهما. وقرأ ذلك ابن محيصن بترك إجراء الإستبرق: (وإسْتَبْرَقَ) بالفتح بمعنى: وثياب إستبرق، وفَتَحَ ذلك أنه وجَّهه إلى أنه اسم أعجميّ. ولكلّ هذه القراءات التي ذكرناها وجه ومذهب غير الذي سبق ذكرنا عن ابن محيصن، فإنها بعيدة من معروف كلام العرب، وذلك أن الإستبرق نكرة، والعرب تجري الأسماء النكرة وإن كانت أعجمية، والإستبرق: هو ما غَلُظ من الديباج. وقد ذكرنا أقوال أهل التأويل في ذلك فيما مضى قبل فأغنى ذلك عن إعادته هاهنا.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: الإستبرق: الديباج الغليظ.
وقوله: (وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ) يقول: وحلاهم ربهم أساور، وهي جمع أسورة من فضة.
وقوله: (وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا) يقول تعالى ذكره: وسقى هؤلاء الأبرار ربُّهُم شرابا طهورا، ومن طهره أنه لا يصير بولا نجسا، ولكنه يصير رشحا من أبدانهم كرشح المسك.
كالذي حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن، قالا ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم التيمي (وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا) قال: عرق يفيض من أعراضهم مثل ريح المسك.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن منصور، عن إبراهيم التيمي، مثله.
قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم التيمي، قال: إن الرجل من أهل الجنة يقسَمُ له شهوة مئة رجل من أهل الدنيا، وأكلهم وهمتهم، فإذا أكل سقي شرابا طهورا، فيصير رشحا يخرج من جلده أطيب ريحًا من المسك الأذفر، ثم تعود شهوته.