قال: (حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا) (وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا) يعني بذلك النساء أترابا لسنٍّ واحدة.
حدثني عباس بن محمد، قال: ثنا حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: الكواعب: النواهد.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا) قال: الكواعب: التي قد نهدت وكَعَبَ ثديها، وقال: أترابا: مستويات، فلانة تربة فلانة، قال: الأتراب: اللِّدات.
حدثنا نصر بن عليّ، قال: ثنا يحيى بن سليمان، عن ابن جريج، عن مجاهد (وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا) لِدَّات.
وقوله: (وَكَأْسًا دِهَاقًا) يقول: وكأسا ملأى متتابعة على شاربيها بكثرة وامتلاء، وأصله من الدَّهْق: وهو متابعة الضغط على الإنسان بشدّة وعنف، وكذلك الكأس الدهاق: متابعتها على شاربيها بكثرة وامتلاء.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا مروان، قال: ثنا أبو يزيد يحيى بن ميسرة، عن مسلم بن نَسْطاس، قال: قال ابن عباس لغلامه: اسقني دهاقا، قال: فجاء بها الغلام ملأى، فقال ابن عباس: هذا الدِّهاق.
حدثني محمد بن عبيد المحاربي، قال: ثنا موسى بن عمير، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قوله: (كَأْسًا دِهَاقًا) قال: ملأى.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، أخبرني سليمان بن بلال، عن جعفر بن محمد، عن عمرو بن دينار، قال: سمعت ابن عباس يُسأل عن (كأْسًا دِهاقًا) قال: دراكا، قال يونس: قال ابن وهب: الذي يَتْبع بعضُه بعضا.
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنى معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (وَكَأْسًا دِهَاقًا) يقول: ممتلئا.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، قال: ثنا حميد الطويل، عن ثابت البُنَانيّ، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، في قوله: (كَأْسًا دِهَاقًا) قال: دمادم (١).

(١) الحديث ١٥٢- نقله ابن كثير ١: ٤٣ بإسناد الطبري هذا، وذكره السيوطي في الدر المنثور ١: ١١ ونسبه للطبري والحاكم في تاريخ نيسابور والديلمي "بسند ضعيف". وإسناده ضعيف حقًا، بل هو إسناد لا تقوم له قائمة، كما سنذكر:
أما بقية بن الوليد، فالحق أنه ثقة، وإنما نعوا عليه التدليس، ولا موضع له هنا، فإنه صرح بالتحديث.
ولكن عيسى بن إبراهيم، وهو القرشي الهاشمي، كل البلاء منه في هذا الحديث، وفي أحاديث من نحوه، رواها بهذا الإسناد. وقد قال فيه البخاري في الضعفاء: ٢٧: "منكر الحديث"، وكذلك النسائي: ٢٢. وترجم له ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ٣ / ١ ٢٧١ - ٢٧٢، وروى عن أبيه قال: "متروك الحديث"، وعن ابن معين: "ليس بشيء"، وقال ابن حبان في الضعفاء، الورقة ١٦٣: "لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد". وترجمته في الميزان ولسان الميزان فيها العجب.
وشيخه "موسى بن أبي حبيب" مثله: ضعيف تالف، وقال الذهبي في الميزان: "ضعفه أبو حاتم، وخبره ساقط. وله عن الحكم بن عمير، رجل قيل: له صحبة. والذي أراه أنه لم يلقه. وموسى -مع ضعفه- فمتأخر عن لقي صحابي كبير". فالبلاء من هذين أو من أحدهما.
حتى لقد شك بعض الحفاظ في وجود الصحابي نفسه "الحكم بن عمير"، من أجلهما! فترجم له ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ١ / ٢ / ١٢٥، قال: "الحكم بن عمير: روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا يذكر السماع ولا لقاء، أحاديث منكرة، من رواية ابن أخيه موسى بن أبي حبيب، وهو شيخ ضعيف الحديث، ويروي عن موسى بن أبي حبيب عيسى بن إبراهيم، وهو ذاهب الحديث، سمعت أبي يقول ذلك".
وحتى إن الذهبي أنكر صحبته وترجم له في الميزان، وأخطأ في النقل فيه عن أبي حاتم، ذكر أنه ضعف الحكم! وكلام أبي حاتم -كما ترى- غير ذلك. وتعقبه الحافظ في لسان الميزان ٢: ٣٣٧ وأثبت أنه صحابي، بما ذكره ابن عبد البر وابن منده وأبو نعيم والترمذي وغيرهم، وأن الدارقطني قال: "كان بدريًا".
وقد ذكره ابن حبان في كتاب الثقات (ص ٥٤) في طبقة الصحابة، وقال: "يقال إن له صحبة". ونقل الحافظ هذا في اللسان عن ابن حبان، ولكن سها فزعم أنه ذكره "في ثقات التابعين".
وترجمه ابن عبد البر في الاستيعاب، رقم ٤٧٦: باسم "الحكم بن عمرو الثمالي، وثمالة في الأزد، شهد بدرًا، ورويت عنه أحاديث مناكير من أحاديث أهل الشأم، لا تصح". وتسمية أبيه باسم "عمرو" خطأ قديم في نسخ الاستيعاب، لأن ابن الأثير تبعه في أسد الغابة ١: ٢٦، وأشار إلى الغلط فيه، ثم ترجمه على الصواب: "الحكم بن عمير الثمالي، من الأزد، وكان يسكن حمص". وحقق الحافظ ترجمته في الإصابة ٢: ٣٠ تحقيقًا جيدًا.


الصفحة التالية
Icon