وقال صوابا، فالواجب أن يقال كما أخبر إذ لم يخبرنا في كتابه، ولا على لسان رسوله، أنه عَنَى بذلك نوعا من أنواع الصواب، والظاهر محتمل جميعه.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا (٣٩) إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا (٤٠) ﴾.
يقول تعالى ذكره: (ذَلِك الْيَوْمُ) يعني: يوم القيامة، وهو يوم يقوم الروح والملائكة صفا (الْحَقُّ) يقول: إنه حقّ كائن لا شكّ فيه.
وقوله: (فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا) يقول: فمن شاء من عباده اتخذ بالتصديق بهذا اليوم الحقّ، والاستعداد له، والعمل بما فيه النجاة له من أهواله (مآبًا)، يعني: مرجعا، وهو مَفْعَلٌ من قولهم: آب فلان من سفره، كما قال عبيد:
وكُل ذِي غَيْبَةٍ يَئُوب | وغائِبُ المَوْتِ لا يَئُوبُ (١) |
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا) قال: اتخذوا إلى الله مآبًا بطاعته، وما يقرّبهم إليه.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (إِلَى رَبِّهِ مَآبًا) قال: سبيلا.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان (مآبًا) يقول: مرجعا منزلا.
وقوله: (إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا) يقول: إنا حذّرناكم أيها الناس عذابًا قد دنا منكم وقرُب، وذلك (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ) المؤمن (مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ) من خير اكتسبه في الدنيا، أو شرّ سَلَفَهُ، فيرجو ثواب الله على صالح أعماله، ويخاف عقابه على سيئها.