(قَالَ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ) يقول: قال: هذا ما سطَّره الأوّلون فكتبوه، من الأحاديث والأخبار.
وقوله: (كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ) يقول تعالى ذكره مكذّبا لهم في قيلهم ذلك: (كَلا)، ما ذلك كذلك، ولكنه (رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ). يقول: غلب على قلوبهم وغَمَرها وأحاطت بها الذنوب فغطتها، يقال منه: رانت الخمر على عقله، فهي تَرِين عليه رَيْنا، وذلك إذا سكر، فغلبت على عقله؛ ومنه قول أبي زُبيد الطائي:

ثُمَّ لَمَّا رآهُ رَانَتْ بِهِ الخَم رُ وأن لا تَرِينَهُ باتِّقاء (١)
يعني: ترينه بمخافة، يقول: سكر فهو لا ينتبه؛ ومنه قول الراجز:
لم نَروَ حتى هَجَّرَت وَرِينَ بي وَرِينَ بالسَّاقي الَّذي أمْسَى مَعِي (٢)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وجاء الأثَر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا أبو خالد، عن ابن عجلان، عن القَعْقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هُرَيرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا أذنَبَ العَبْدُ نُكِتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَة سَوْدَاءُ، فإنْ تابَ صُقِلَ مِنْها، فإنْ عادَ عادَتْ حتى تَعْظُمَ فِي قَلْبِهِ، فذلكَ الرَّانُ الَّذي قَالَ الله: (كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) ".
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا صفوان بن عيسى، قال: ثنا ابن عَجلان، عن القَعقاع، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ المُؤْمَنَ إذَا أذْنَبَ ذَنْبًا كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فإن تابَ وَنزعَ وَاسْتَغْفَرَ صَقَلَتْ
(١) انظر: ١٥١، ١٥٥.
(٢) عطف على قوله: " ولو كان علم... ".


الصفحة التالية
Icon