والصواب من القول في ذلك أن يقال: وذكر الله فوحَّده، ودعاه ورغب إليه؛ لأن كلّ ذلك من ذكر الله، ولم يُخصص الله تعالى من ذكره نوعًا دون نوع.
وقوله: (فَصَلَّى) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. فقال بعضهم: عُنِي به: فصلى الصلوات الخمس.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (فَصَلَّى) يقول: صلَّى الصلوات الخمس.
وقال آخرون: عُنِيَ به: صلاة العيد يوم الفطر.
وقال آخرون: بل عُنِيَ به: وذكر اسم ربه فدعا، وقالوا: الصلاة هاهنا: الدعاء.
والصواب من القول أن يقال: عُنِيَ بقوله: (فَصَلَّى) : الصلوات، وذكر الله فيها بالتحميد والتمجيد والدعاء.
وقوله: (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا)
يقول للناس: بل تؤثرون أيها الناس زينة الحياة الدنيا على الآخرة (وَالآخِرَةُ خَيْرٌ) لكم (وَأَبْقَى) يقول: وزينة الآخرة خير لكم أيها الناس وأبقى، لأن الحياة الدنيا فانية، والآخرة باقية، لا تنفَدُ ولا تفنى.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) فاختار الناس العاجلة إلا من عصم الله. وقوله: (وَالآخِرَةُ خَيْرٌ) في الخير (وَأَبْقَى) في البقاء.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا أبو حمزة، عن عطاء، عن عَرْفَجَة الثقفي، قال: استقرأت ابن مسعود (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى)، فلما بلغ: (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) ترك القراءة وأقبل على أصحابه، وقال: آثرنا الدنيا على الآخرة، فسكت القوم، فقال: آثرنا الدنيا؛ لأنا رأينا زينتها ونساءها وطعامها وشرابها، وزُوِيت عنا الآخرة، فاخترنا هذا العاجل، وتركنا الآجل.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) فقرأ ذلك عامَّة قرّاء الأمصار: (بَلْ تُؤْثِرُونَ) بالتاء، إلا أبا عمرو فإنه قرأه بالياء، وقال: يعني الأشقياء.