مثل هذا، اكتفاء بكسرة ما قبلها منها، من ذلك قول الشاعر:

لَيْسَ تخْفى يَسارَتِي قَدْرَ يَوْمٍ وَلَقَدْ تُخْفِ شِيمَتِي إعْسَارِي (١)
وقوله: (هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) يقول تعالى ذكره: هل فيما أقسمت به من هذه الأمور مقنع لذي حجر، وإنما عُنِيَ بذلك: إن في هذا القسم مكتفى لمن عقل عن ربه مما هو أغلظ منه في الإقسام. فأما معنى قوله: (لِذِي حِجْرٍ) : فإنه لِذِي حِجًي وذِي عقل؛ يقال للرجل إذا كان مالكا نفسه قاهرًا لها ضابطا: إنه لذو حِجْر، ومنه قولهم: حَجَر الحاكم على فلان.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب وأبو السائب، قالا ثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: (لِذِي حِجْرٍ) قال: لذي النُّهَى والعقل.
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: (لِذِي حِجْرٍ) قال: لأولي النُّهى.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) قال: ذو الحِجْر والنُّهى والعقل.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن عباس: (قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) قال: لذي عقل، لذي نُهَي.
قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الأغرّ المِنقريّ، عن خليفة بن الحصين، عن أبي نصر، عن ابن عباس (قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) قال: لذي لُبّ، لذي حِجَى.
(١) أهل القدر: هم نفاة القدر لا مثبتوه. والقائلون بالتفويض هم القدرية والمعتزلة والإمامية. يزعمون أن الأمر فوض إلى الإنسان (أي رد إليه)، فإرادته كافية في إيجاد فعله، طاعة كان أو معصية، وهو خالق لأفعاله، والاختيار بيده.


الصفحة التالية
Icon