عن عكرِمة، قال: من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر، ثم قرأ: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) قال: لا يكون حتى لا يعلم من بعد علم شيئا، فعلى هذا التأويل قوله: (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ) لخاصّ من الناس، غير داخل فيهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات، لأنه مستثنى منهم.
وقال آخرون: بل الذين آمنوا وعملوا الصالحات قد يدخلون في الذين ردّوا إلى أسفل سافلين، لأن أرذل العمر قد يردّ إليه المؤمن والكافر. قالوا: وإنما استثنى قوله: (إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) من معنى مضمر في قوله: (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ) قالوا: ومعناه: ثم رددناه أسفل سافلين، فذهبت عقولهم وخرفوا، وانقطعت أعمالهم، فلم تثبت لهم بعد ذلك حسنة (إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) فإن الذي كانوا يعملونه من الخير، في حال صحة عقولهم، وسلامة أبدانهم، جار لهم بعد هرمهم وخَرَفهَم.
وقد يُحتمل أن يكون قوله: (إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) استثناء منقطعا، لأنه يحسن أن يقال: ثم رددناه أسفل سافلين، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، لهم أجر غير ممنون، بعد أن يردّ أسفل سافلين.
* ذكر من قال معنى هذا القول:
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عديّ، عن داود، عن عكرِمة، عن ابن عباس (إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) قال: فأيما رجل كان يعمل عملا صالحا وهو قوي شاب، فعجز عنه، جرى له أجر ذلك العمل حتى يموت.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثنى أبي، قال: ثني عمى، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) يقول: إذا كان يعمل بطاعة الله في شبيبته كلها، ثم كبر حتى ذهب عقله، كُتب له مثل عمله الصالح، الذي كان يعمل في شبيبته، ولم يُؤاخذ بشيء مما عمل في كبره، وذهاب عقله، من أجل أنه مؤمن، وكان يطيع الله في شبيبته.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن حماد، عن إبراهيم، في قوله: (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ) قال: إلى أرذل العمر، فإذا بلغ المؤمن إلى أرذل العمر، كُتِبَ له كأحسن ما كان يعمل في شبابه وصحته، فهو قوله: (فَلَهُمْ