قال: وسألت عنها عبد الله بن أبي إسحاق فقال: (بَرَقَ) بالفتح، إنما برق الخيطل (١) والنار والبرق. وأما البصر فبرق عند الموت. قال: وأخبرت بذلك ابن أبي إسحاق، فقال: أخذت قراءتي عن الأشياخ نصر بن عاصم وأصحابه، فذكرت لأبي عمرو، فقال: لكن لا آخذ عن نصر ولا عن أصحابه، فكأنه يقول: آخذ عن أهل الحجاز.
وأولى القراءتين في ذلك عندنا بالصواب كسر الراء (فَإِذَا بَرِقَ) بمعنى: فزع فشُقّ وفُتِح من هول القيامة وفزع الموت. وبذلك جاءت أشعار العرب. أنشدني بعض الرواة عن أبي عُبيدة الكلابي:

لَمّا أتانِي ابْنُ صُبَيْحٍ رَاغِبا أعْطَيْتُهُ عَيْساء مِنْها فَبرَقْ (٢)
وحُدثت عن أبي زكريا الفرّاء قال: أنشدني بعض العرب:
نَعانِي حَنانَةُ طُوبالَةً تَسَفُّ يَبيسا مِنَ الْعِشْرقِ
فَنَفْسَك فانْعَ وَلا تَنْعَنِي ودَاوِ الْكُلومَ وَلا تَبْرَقِ (٣)
(١) الشعر للحارث بن خالد المخزومي، الأغاني ٩: ٢٢٥- ٢٢٦، وهذا البيت الذي من أجله أشخص الواثق إليه أبا عثمان المازني النحوي، وله قصة. انظر الأغاني ٩: ٢٣٤ وغيره، وفي المطبوعة: "أظلوم"، والصواب من المخطوطة، والأغاني وأمالي الشجري ١: ١٠٧ وغيرها. وهذه الشواهد السالفة استشهاد من الطبري على أن الأسماء تقوم مقام المصادر فتعمل عملها في النصب. وظليم: هي أم عمران، زوجة عبد الله بن مطيع، وكان الحارث ينسب بها، فلما مات زوجها تزوجها.
(٢) أراد بقوله: "تصديرها": أي جعلها مصادر تصدر عنها صوادر الأفعال، وذلك كقولك: ذهب ذهابًا، فذهب صدرت عن قولك "ذهاب"، ويعمل عندئذ عمل الفعل. وعنى أنهم يخرجون المصدر على وزن الاسم فيعمل عمله، كقولك "الكلام" هو اسم ما تتكلم به، ولكنهم قالوا: كلمته كلامًا، فوضعوه موضع التكليم، وأخرجوا من "كلم" مصدرًا على وزن اسم ما تتكلم به، وهو الكلام، فكان المصدر: "كلامًا".
(٣) الحديث ١٣٩- مضى هذا الخبر وتخريجه، برقم ١٣٧.


الصفحة التالية
Icon