أبو اليقظان، عن سفيان عن هشام، عن الحسن، في قوله (إِنَّ الإنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) قال: لوام لربه، يعد المصائب، وينسى النعم.
وقوله: (وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ)
يقول تعالى ذكره: إن الله على كنوده ربه لشهيد: يعني لشاهد.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سعيد، عن قتادة (وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ) قال: يقول: إن الله على ذلك لشهيد.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ) في بعض القراءات "إن الله على ذلك لشهيد".
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان (وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ) يقول: وإن الله عليه شهيد.
وقوله: (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ)
يقول تعالى ذكره: وإن الإنسان لحب المال لشديد.
واختلف أهل العربية في وجه وصفه بالشدة لحب المال، فقال بعض البصريين: معنى ذلك: وإنه من أجل حب الخير لشديد: أي لبخيل; قال: يقال للبخيل: شديد ومتشدد. واستشهدوا لقوله ذلك ببيت طرفة بن العبد البكري:

أرَى المَوْتَ يَعْتامُ النُّفُوسَ ويَصْطَفِي عَقِيلَةَ مالِ الباخِلِ المُتَشَددِ (١)
وقال آخرون: معناه: وإنه لحب الخير لقوي.
وقال بعض نحويي الكوفة: كان موضع (لِحُبِّ) أن يكون بعد شديد، وأن يضاف شديد إليه، فيكون الكلام: وإنه لشديد حب الخير; فلما تقدم الحب في
(١) الحديث ١٧٤ - إسناده ضعيف جدًا. موسى بن عبد الرحمن المسروقي: ثقة، روى عنه الترمذي، والنسائي، وابن خزيمة، وغيرهم. مات سنة ٢٥٨، مترجم في التهذيب. حسين الجعفي: هو حسين بن علي بن الوليد، ثقة معروف، روى عنه أحمد، وابن معين، وغيرهم، بل روى عنه ابن عيينة وهو أكبر منه. وأخرج له أصحاب الكتب الستة. حمزة الزيات: هو حمزة بن حبيب، القارئ المعروف. وتكلم في رواية بعضهم، والحق أنه ثقة، وأخرج له مسلم في صحيحه. أبو المختار الطائي: قيل اسمه: سعد، وهو مجهول، جهله المديني وأبو زرعة. ابن أخي الحارث الأعور: أشد جهالة من ذلك، لم يسم هو ولا أبوه. عمه الحارث: هو ابن عبد الله الأعور الهمداني، وهو ضعيف جدا. وقد اختلف فيه العلماء اختلافا كثيرا، حتى وصفه الشعبي وغيره بأنه "كان كذابًا"، وقد رجحت في شرح الحديث ٥٦٥ وغيره من المسند أنه ضعيف جدا.
وأما متن الحديث: فقد رواه -بمعناه- ابن أبي حاتم، عن الحسن بن عرفة عن يحيى بن يمان عن حمزة الزيات، بهذا الإسناد، فيما نقل ابن كثير ١: ٥٠ ووقع فيه تحريف الإسناد هناك. وهو جزء من حديث طويل، في فضل القرآن - رواه الترمذي (٤: ٥١ - ٥٢ من تحفة الأحوذي)، عن عبد بن حميد عن حسين الجعفي، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: "هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث حمزة الزيات، وإسناده مجهول، وفي حديث الحارث مقال". كذلك رواه الدارمي في سننه ٢: ٤٣٥ عن محمد بن يزيد الرفاعي عن حسين الجعفي. ونقله السيوطي ١: ١٥ ونسبه أيضًا لابن أبي شيبة وابن الأنباري في المصاحف والبيهقي في شعب الإيمان. وأشار إليه الذهبي في الميزان ٣: ٣٨٠ في ترجمة أبي المختار الطائي، قال: "حديثه في فضائل القرآن منكر". ونقله ابن كثير في الفضائل: ١٤ - ١٥ عن الترمذي، ونقل تضعيفه إياه، ثم قال: "لم ينفرد بروايته حمزة بن حبيب الزيات، بل قد رواه محمد بن إسحاق عن محمد بن كعب القرظي عن الحارث الأعور. فبرئ حمزة من عهدته، على أنه وإن كان ضعيف الحديث، فإنه إمام في القراءة. والحديث مشهور من رواية الحارث الأعور، وقد تكلموا فيه، بل قد كذبه بعضهم من جهة رأيه واعتقاده، أما أنه تعمد الكذب في الحديث - فلا. وقصارى هذا الحديث أن يكون من كلام أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، وقد وهم بعضهم في رفعه، وهو كلام حسن صحيح ".
وسيأتي ١٧٥، ١٧٦ بإسنادين آخرين، موقوفًا، من كلام علي رضي الله عنه.
ورواية ابن إسحاق -التي أشار إليها ابن كثير- هي حديث أحمد في المسند: ٥٦٥. عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن ابن إسحاق. وقد ضعفنا إسناده هناك، بالحارث الأعور، وبانقطاعه بين ابن إسحاق ومحمد بن كعب. وليس فيه الحرف الذي هنا، في تفسير "الصراط المستقيم".


الصفحة التالية
Icon