قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب عندنا قولُ من قال: عنى الله بذلك جَميعَ الناس، بمعنى لعنهم إياهم بقولهم:"لعن الله الظالم - أو الظالمين".
فإن كلّ أحد من بني آدم لا يمتنع من قيل ذلك كائنًا من كان، (١) ومن أي أهل ملة كان، فيدخل بذلك في لعنته كلّ كافرٍ كائنًا من كان. وذلك بمعنى ما قاله أبو العالية. لأن الله تعالى ذكره أخبر عمن شَهدهم يوم القيامة أنهم يلعنونهم فقال: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) [هود: ١٨]
وأما ما قاله قتادة، من أنه عنى به بعضَ الناس، فقولٌ ظاهرُ التنزيل بخلافه، ولا برهان على حقيقته من خبر ولا نظر. فإن كان ظن أن المعنيَّ به المؤمنون، من أجل أن الكفار لا يَلعنون أنفسهم ولا أولياءهم، فإن الله تعالى ذكره قد أخبر أنهم يَلعنونهم في الآخرة. ومعلومٌ منهم أنّهم يَلعنون الظَّلمة، وداخلٌ في الظَّلمة كل كافر، بظلمه نفسه، وجحوده نعمةَ ربه، ومخالفته أمرَه.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (١٦٢) ﴾
* * *
قال أبو جعفر: إن قال لنا قائل: ما الذي نصب"خالدين فيها"؟
قيل: نُصب على الحال من"الهاء والميم" اللتين في"عليهم". وذلك أنّ معنى قوله:"أولئكَ عَليهم لعنة الله"، أولئك يلعنهم الله والملائكةُ والناس أجمعون خالدين فيها. ولذلك قرأ ذلك:"أولئك عَليهم لعنة الله والملائكةُ والناس أجمعون"

(١) في المطبوعة: "لا يمنع من قيل ذلك"، والصواب ما أثبت.


الصفحة التالية
Icon