"البأساء والضراء"، مصدر جاء على"فعلاء" ليس له"أفعل" لأنه اسم، كما قد جاء"أفعل" في الأسماء ليس له"فعلاء"، نحو"أحمد". وقد قالوا في الصفة"أفعل"، ولم يجيء له"فعلاء"، فقالوا:"أنت من ذلك أوْجل"، ولم يقولوا:"وجلاء".
وقال بعضهم: هو اسم للفعل. فإن"البأساء"، البؤس،"والضراء" الضر. وهو اسم يقع إن شئت لمؤنث، وإن شئت لمذكر، كما قال زهير:

فَتُنْتَجْ لَكُمْ غِلْمَانَ أَشْأَمَ، كُلُّهُمْ كَأَحْمَرِ عَادٍ، ثُمَّ تُرْضِعْ فَتَفْطِمِ (١)
يعني فتنتج لكم غلمان شؤم.
وقال بعضهم: لو كان ذلك اسمًا يجوز صرفه إلى مذكر ومؤنث، لجازَ إجراء"أفعل" في النكرة، ولكنه اسم قام مقام المصدر. والدليل على ذلك قوله:"لئن طَلبت نُصرتهم لتجدنَّهم غير أبعدَ"، (٢) بغير إجراء. وقال: إنما كان اسما للمصدر، لأنه إذا ذُكر علم أنه يُراد به المصدر.
وقال غيره: لو كان ذلك مصدرًا فوقع بتأنيث، لم يقع بتذكير، ولو وَقَع
(١) ديوانه: ٢٠، من معلقته الفريدة. وهي من أبياته في صفة الحرب، التي قال في بدئها، قبل هذا البيت:
وَمَا الحَرْبُ إِلاَّ مَا عَلِمْتُمْ وَذُقْتُمُ وَمَا هُوَ عَنْهَا بِالحَدِيث المُرَجَّمِ
مَتَى تَبْعَثُوهَا، تَبْعَثُوهَا ذَمِيمَةً، وتَضْرَ، إذا ضَرَّيْتُمُوهَا فَتَضْرَمِ
فَتَعْرُكَكُم عَرْكَ الرَّحَا بِثِفَالِهَا وَتلْقَحْ كِشافًا، ثم تُنْتَجْ فَتُتْئِمِ
يقول: إن الحرب تلقح كما تلقح الناقة، فتأتي بتوأمين في بطن. وقوله: "أحمر عاد" يعني أحمر ثمود، فأخطأ ولم يبال أيهما قال. وأحمر ثمود، هو قدار، عاقر ناقة الله فأهلكهم ربهم بما فعلوا. يقول: إن الحرب ترضع مشائيمها وتقوم عليهم حتى تفطمهم بعد أن يبلغوا السعي لأنفسهم في الشر.
(٢) يقال"فلان غير أبعد"، أي لا خير فيه. ويقال: "ما عند فلان أبعد" أي لا طائل عنده. قال رجل لابنه: "إن غدوت على المربد ربحت عنا، أو رجعت بغير أبعد"، أي بغير منفعة.


الصفحة التالية
Icon