فإن قال قائل: وما معنى قوله:"وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين"؟ وهل كان أيام إبراهيم -قبل بنائه البيت- بيت يطهر من الشرك وعبادة الأوثان في الحرم، فيجوز أن يكونا أمرا بتطهيره؟
قيل: لذلك وجهان من التأويل، قد قال بكل واحد من الوجهين جماعة من أهل التأويل. (١)
أحدهما: أن يكون معناه: وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن ابنيا بيتي مطهرا من الشرك والرَّيْب (٢) كما قال تعالى ذكره: (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ)، [سورة التوبة: ١٠٩]، فكذلك قوله:"وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي"، أي ابنيا بيتي على طهر من الشرك بي والريب، كما:-
٢٠٠٩- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي"، يقول: ابنيا بيتي [للطائفين]. (٣)
فهذا أحد وجهيه.
والوجه الآخر منهما: أن يكونا أمرا بأن يطهرا مكان البيت قبل بنيانه، والبيت بعد بنيانه، مما كان أهل الشرك بالله يجعلونه فيه -على عهد نوح ومن قبله- من الأوثان، ليكون ذلك سنة لمن بعدهما، إذ كان الله تعالى ذكره قد جعل إبراهيم إماما يقتدي به من بعده، كما:-
٢٠١٠- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:
(٢) الريب هنا: الشر والخوف من قولهم: رابني أمره، أي أدخل علي شرا وخوفا، وكأن ذلك مردود إلى قوله تعالى: "مثابة للناس وأمنا".
(٣) هذه الزيادة، من تفسير ابن كثير ١: ٣١٥.