حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"أحِلّ لكم ليلةَ الصيام الرفثُ إلى نسائكم هُنّ لباسٌ لَكم وأنتم لباسٌ لهن" إلى:"وعفا عَنكم". كان الناس أوّلَ ما أسلموا إذا صام أحدُهم يصوم يومه، حتى إذا أمسى طَعِم من الطعام فيما بينه وبين العتمة، حتى إذا صُليت حُرّم عليهم الطعامُ حتى يمسي من الليلة القابلة. وإنّ عمر بن الخطاب بينما هو نائم إذ سوّلت له نفسه فأتى أهله لبعض حاجته، فلما اغتسلَ أخذ يبكي ويلوم نفسه كأشد ما رأيتَ من الملامة. ثم أتى رسول الله ﷺ فقال: يا رسولَ الله، إني أعتذر إلى الله وإليك من نفسي هذه الخاطئة، فانها زيَّنت لي فواقعتُ أهلي! هل تجد لي من رخصة يا رسول الله؟ قال: لم تكن حقيقًا بذلك يا عمر! فلما بلغ بيته أرسل إليه فأنبأه بعُذره في آية من القرآن، وأمر الله رسوله أن يَضَعها في المائة الوسطى من سورة البقرة فقال:"أحلّ لكم ليلة الصيام الرفثُ إلى نسائكم" إلى"علم الله أنكم كنتم تَختانون أنفسكم" يعني بذلك: الذي فعل عمر بن الخطاب فأنزل الله عفوه. فقال:"فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن بَاشرُوهن" إلى:"من الخيط الأسود" فأحل لهم المجامعة والأكل والشرب حتى يتبين لهم الصبح (١).
٢٩٤٤- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"أحِلّ لكم ليلة الصيام الرفثُ إلى نسائكم" قال: كان الرجل من أصحاب محمد ﷺ يصوم الصيام بالنهار، فإذا أمسى أكل وشرب وجامع النساء، فإذا رَقَد حرَّم ذلك كله عليه إلى مثلها من القابلة. وكان منهم رجال يَختانون أنفسهم في ذلك، فعفا الله عنهم، وأحل [ذلك] لهم بعد الرقاد وقبله في الليل كله (٢).

(١) الحديث: ٢٩٤٣- هذا الحديث بالإسناد المسلسل بالضعفاء، الذي شرحناه مفصلا في: ٣٠٥. وقد ذكره السيوطي ١: ١٩٧، ونسبه للطبري وابن أبي حاتم.
ولم تكن بنا حاجة للكلام عليه هنا، إلا أننا أردنا أن نمهد به لحديث لأبي هريرة في معناه. نقله السيوطي ١: ١٩٧، ونسبه للطبري فقط، قال: "وأخرج ابن جرير، عن أبي هريرة.. ".
وذكره ابن كثير ١: ٤١٩ مع أواخر إسناده، ولم يذكر من خرجه. والظاهر من تتبع صنيعه أنه نقله عن الطبري أيضًا.
ولم نجده في الطبري، فإما سقط من الناسخين، وإما هو في موضع آخر من الطبري لما تصل إلينا معرفته. فرأينا إثباته - تماما للفائدة، وحفظا لما ينسب لهذا التفسير العظيم.
قال ابن كثير: "وقال سعيد بن أبي عروبة، عن قيس بن سعد، عن عطاء بن أبي رباح، عن أبي هريرة، في قول الله تعالى (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامُ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ) إلى قوله (ثُمَّ أتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)، قال: كان المسلمون قبل أن تنزل هذه الآية - إذا صلُّوا العشاءَ الآخِرَةَ حَرُمَ عليهم الطعامُ والشرابُ والنساءُ حتى يُفْطروا. وإن عمر بن الخطاب أصاب أهلَه بعد صلاة العشاء، وإن صِرْمَةَ بن قيس الأنصاري غَلَبَتْهُ عيناه بعد صلاة المغرب، فنام ولم يشبع من الطعام، ولم يستيقظ حتى صلى رسول الله ﷺ العشاء، فقام فأكل وشرب، فلما أصبح أتَى رسولَ الله صلى الله عليه سلم، فأخبره بذلك، فأنزل الله عند ذلك: (أُحِلَّ لَكُم لَيْلَةَ الصِّيَامَ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ)، يعني بالرفث مجامعةَ النساء، (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ، عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُم)، يعني: تجامعون النساء وتأكلون وتشربون بعد العشاء، (فَتَاب عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فالآنبَاشِرُوهُنَّ) يعني: جامعوهن، (وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللهُ لَكُم)، يعني: الولد، (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّن لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ ثُمَّ أتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ)، فكان ذلك عَفْوًا من الله ورَحْمَةً".
هذا لفظ رواية ابن كثير. والسيوطي اختصره قليلا.
فهذا إسناد صحيح من سعيد بن أبي عروبة إلى أبي هريرة. أما ما وراه سعيد بن أبي عروبة، فلا ندري ما حاله، حتى نعرف رواته.
وقيس بن سعد: هو المكي، أبو عبد الملك، وهو ثقة. مترجم في التهذيب، والكبير ٤/١/١٥٤. وابن أبي حاتم ٣/٢/٩٩، وابن سعد ٥: ٣٥٥، ولكن ذكر أن كنيته"أبو عبيد الله". وقال: "كان قد خلف عطاء بن أبي رباح في مجلسه".
وكنية قيس عند البخاري"أبو عبد الله". والظاهر أن هذا هو الصحيح، لأن الدولابي ذكره في الكنى ٢: ٥٩، في باب"أبو عبد الله".
(٢) الزيادة بين القوسين لا بد منها، استظهرتها من الأثر الذي يليه ومن السياق.


الصفحة التالية
Icon