كما قال تعالى ذكره: (إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا) [سورة السجدة: ١٢]، بمعنى يقولون: ربنا أبصرنا وسمعنا. وذلك أيضا إنما يجوز في الموضع الذي يدل ظاهر الكلام على حاجته إليه، ويفهم السامع أنه مراد به الكلام وإن لم يذكر. فأما في الأماكن التي لا دلالة على حاجة الكلام إليه، فلا وجه لدعوى مدع أنه مراد فيها.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: من هذا الذي ينفق في سبيل الله، فيعين مضعفا، (١) أو يقوي ذا فاقة أراد الجهاد في سبيل الله، ويعطي منهم مقترا؟ وذلك هو القرض الحسن الذي يقرض العبد ربه.
وإنما سماه الله تعالى ذكره"قرضا"، لأن معنى"القرض" إعطاء الرجل غيره ماله مملكا له، ليقضيه مثله إذا اقتضاه. فلما كان إعطاء من أعطى أهل الحاجة والفاقة في سبيل الله، إنما يعطيهم ما يعطيهم من ذلك ابتغاء ما وعده الله عليه من جزيل الثواب عنده يوم القيامة، سماه"قرضا"، إذ كان معنى"القرض" في لغة العرب ما وصفنا.
وإنما جعله تعالى ذكره"حسنا"، لأن المعطي يعطي ذلك عن ندب الله إياه وحثه له عليه، احتسابا منه. فهو لله طاعة، وللشياطين معصية. (٢) وليس

(١) أضعف الرجل فهو مضعف: ضعفت دابته، يعينه بإبداله دابة غيرها.
(٢) في المطبوعة: "وللشياطين معصية"، وفي المخطوطة: "وللسلطان"، وهو سهو من الناسخ.


الصفحة التالية
Icon