وصِلْ ما أمرك الله به أن تصل، وأبشر بخير. فانصرف عنه الملَك; فمكث أيامًا ثم أقبل إليه في صورة ذلك الرجل الذي جاءه، فقعد بين يديه، فقال له أرميا: من أنت؟ قال: أنا الرجل الذي أتيتك في شأن أهلي! (١). فقال له نبي الله، أو ما طهُرت لك أخلاقهم بعد، (٢). ولم تر منهم الذي تحب؟ فقال: يا نبي الله، والذي بعثك بالحق ما أعلم كرامةً يأتيها أحدٌ من الناس إلى أهل رحمه إلا وقد أتيتها إليهم وأفضلَ من ذلك! فقال النبي: ارجعْ إلى أهلك فأحسنْ إليهم، أسأل الله الذي يصلح عباده الصالحين أن يصلح ذات بينكم، (٣). وأن يجمعكم على مرضاته، ويجنِّبكم سخطه! فقام الملك من عنده، فلبث أيامًا، وقد نزل بخت نصّر وجنوده حول بيت المقدس أكثر من الجراد، (٤). ففزع بنو إسرائيل فزعًا شديدًا، وشق ذلك على ملك بني إسرائيل، فدعا أرميا، فقال: يا نبي الله، أين ما وعدك الله؟ فقال: إني بربي واثق.
= ثم إن الملك أقبل إلى أرميا وهو قاعد على جدار بيت المقدس يضحك ويستبشر بنصر ربه الذي وعده، فقعد بين يديه، فقال له أرميا: من أنت؟ قال: أنا الذي كنت استفتيتك في شأن أهلي مرتين، (٥). فقال له النبي: أو لم يأن لهم أن يفيقوا من الذي هم فيه؟ فقال الملك: يا نبي الله، كل شيء كان يصيبني منهم قبلَ اليوم كنت أصبر عليه، وأعلم أنّ ما بهم في ذلك سخطي، (٦). فلما

(١) في التاريخ وحده: "أتيتك أستفتيك في شأن أهلي".
(٢) يقال: "رجل طاهر الأخلاق"، أي يتنزه عن دنس الأخلاق، ويكف عن الإثم.
(٣) في التاريخ: "واسأل الله"، بالواو في أوله، وكأنه أمر للرجل. وأن يكون دعاء من النبي له، أقرب وأحسن.
(٤) في المطبوعة: "بجنوده"، وفي المخطوطة"جنوده" بغير واو، وأثبت ما في التاريخ، وفيه أيضًا: "بأكثر من الجراد".
(٥) في التاريخ: "أتيتك في شأن أهلي... ".
(٦) في المطبوعة: "أنما قصدهم في ذلك سخطي"، وفي التاريخ: "أن مآ لهم في ذلك سخطي" وفي المخطوطة: "أنما نهم في ذلك سخطي"، والأول تبديل للنص، والآخران تصحيف، صوابه ما أثبت.
يقال: "ما بك إلا مساءتى"، أي ما تريد إلا مساءتى. فكذلك قوله: "أن ما بهم في ذلك سخطي"، أن الذي يريدون في فعلهم ذلك، سخطي واستثارة غضبى.


الصفحة التالية
Icon