وسمى العقوبة التي عاقبهم بها = من تسليط عدوهم عليهم حتى نال منهم ما نال"ثوابًا"، إذ كان عوضًا من عملهم الذي سخطه ولم يرضه منهم، (١) فدلّ بذلك جل ثناؤه أنّ كل عوض كان لمعوَّض من شيء من العمل، خيرًا كان أو شرًّا = أو العوض الذي بذله رجل لرجل، أو يد سلفت له إليه، فإنه مستحق اسم"ثواب"، كان ذلك العوض تكرمةً أو عقوبة، ونظير ذلك قول الشاعر: (٢)

أخَافُ زِيَادًا أَنْ يَكُونَ عَطَاؤُه أدَاهِمَ سُودًا أوْ مُحَدْرَجَةً سُمْرَا (٣)
فجعل"العطاء" القيود. (٤) وذلك كقول القائل لآخر سلف إليه منه مكروه:"لأجازينَّك على فعلك، ولأثيبنك ثوابك". (٥)
* * *
وأما قوله:"غمًّا بغم"، فإنه قيل:"غمًّا بغم"، معناه: غمًّا على غم، كما قيل: (وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) [سورة طه: ٧١]، بمعنى: ولأصلبنكم على جذوع النخل. وإنما جاز ذلك، لأن معنى قول القائل:"أثابك الله غمًّا على غم"، جزاك الله
(١) في المطبوعة: "إذ كان ذلك من عملهم الذي سخطه"، وكان في المخطوطة مكان"ذلك" بياض، والصواب ما أثبت، استظهارًا من كلام أبي جعفر التالي.
(٢) هو الفرزدق.
(٣) ديوانه: ٢٢٧، النقائض: ٦١٨، طبقات فحول الشعراء: ٢٥٦، وتاريخ الطبري ٦: ١٣٩، معاني القرآن للفراء ١: ٢٣٩، وغيرها. من شعره في زياد بن أبي سفيان، وهو يلي الأبيات التي ذكرتها في التفسير آنفًا ٢: ١٩٥، تعليق: ١، والرواية التي ذكرها الطبري هنا، متابعة للفراء، وهي لا تستقيم مع الشعر، وأجمع الرواة على أنه:
فلمَّا خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عَطَاؤُهُ ...................
نَمَيْتُ إلَى حَرْفٍ أَضَرَّ بِنَيِّها سُرَى البِيدِ وَاسْتِعْراضُهَا البَلَدَ القَفْرَا
والأداهم جمع أدهم: وهو القيد، سمي بذلك لسواده. والمحدرجة: السياط. حدرج السوط: فتله فتلاً محكمًا حتى استوى. وجعلها"سمرًا"، لأدمة جلدها الذي تصنع منه.
(٤) في المطبوعة: "فجعل العطاء العقوبة"، والصواب من المخطوطة، ولا أدري لم غيره الناشر الأول.
(٥) انظر لما سلف، معاني القرآن للفراء ١: ٢٣٩، وانظر معنى"الثواب" فيما سلف قريبًا: ٢: ٤٥٨ / ٧: ٢٧٢، وقد نسيت أن أذكر مرجعه هناك.


الصفحة التالية
Icon