وإنما معنى قوله:"فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع"، فلينكح كل واحد منكم مثنى وثلاث ورباع، كما قيل: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) [سورة النور: ٤].
* * *
وأما قوله:"مثنى وثلاث ورباع"، فإنما تُرك إجراؤهن، لأنهن معدولات عن"اثنين" و"ثلاث" و"أربع"، كما عدل"عمر" عن"عامر"، و"زُفرَ" عن"زافِر" فترك إجراؤه، وكذلك،"أحاد" و"ثناء" و"مَوْحد" و"مثنى" و"مَثْلث" و"مَرْبع"، لا يجري ذلك كله للعلة التي ذكرت من العدول عن وجوهه. ومما يدلّ على أن ذلك كذلك، وأن الذكر والأنثى فيه سواء، ما قيل في هذه السورة و"سورة فاطر"، [١] :"مثنى وثلاث ورباع" يراد به"الجناح"، و"الجناح" ذكر= وأنه أيضًا لا يضاف إلى ما يضاف إليه"الثلاثة" و"الثلاث" وأن"الألف واللام" لا تدخله= فكان في ذلك دليل على أنه اسم للعدد معرفة، ولو كان نكرة لدخله"الألف واللام"، وأضيف كما يضاف"الثلاثة" و"الأربعة". (١) ومما يبين في ذلك قول تميم بن أبيّ بن مقبل:
تَرَى النُّعَرَاتِ الزُّرْقَ تَحْتَ لَبَانِهِ | أُحَادَ وَمَثْنَى أَصْعَقَتْهَا صَوَاهِلُهْ (٢) |
(٢) من قصيدة له طويلة نقلتها قديمًا، ومعاني القرآن للفراء ١: ٢٥٥، ٣٤٥ والحيوان ٧: ٢٣٣. واللسان (نعر) (فرد) (صعق) (ثنى)، وغيرها، وسيأتي في التفسير ٧:
١٨٤ (بولاق). يصف فرسه، وبعد البيت. فَرِيسًا ومَغْشِيًّا عَلَيْه، كأَنَّه | خُيُوطَةُ مَارِيٍّ لَوَاهُنَّ فَاتِلُهْ |
و"اللبان": الصدر من ذي الحافر: و"أصعقتها": قتلتها. و"صواهله" جمع صاهلة، وهو مصدر على"فاعلة"، بمعنى"الصهيل"، كما يقال، "رواغي الإبل"، أي رغاءها. وقوله في البيت الثاني: "فريسًا"، أي قتيلا، قد افترسه ودقه وأهلكه، و"الخيوطة" جمع خيط، كالفحولة والبعولة، جمع فحل وبعل."والماري": الثوب الخلق. يصف الذباب المغشى عليه، كأنه من لينه في تهالكه، خيوط لواه لاو من ثوب خلق.