بقوله:"أحلت لكم بهيمة الأنعام"، الأنعام كلها: أجنَّتها وسِخَالها وكبارها. (١) لأن العرب لا تمتنع من تسمية جميع ذلك"بهيمة وبهائم"، ولم يخصص الله منها شيئًا دون شيء. فذلك على عمومه وظاهره، حتى تأتى حجة بخصوصه يجب التسليم لها.
* * *
وأما"النعم" فإنها عند العرب، اسم للإبل والبقر والغنم خاصة، كما قال جل ثناؤه: (وَالأنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ)، [سورة النحل: ٥]، ثم قال: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً) [سورة النحل: ٨]، ففصل جنس النعم من غيرها من أجناس الحيوان. (٢)
وأما"بهائمها"، فإنها أولادها. وإنما قلنا يلزم الكبار منها اسم"بهيمة"، كما يلزم الصغار، لأن معنى قول القائل:"بهيمة الأنعام"، نظير قوله:"ولد الأنعام". فلما كان لا يسقط معنى الولادة عنه بعد الكبر، فكذلك لا يسقط عنه اسم البهيمة بعد الكبر.
* * *
وقد قال قوم:"بهيمة الأنعام"، وحشيُّها، كالظباء وبقر الوحش والحُمُر. (٣)
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في الذي عناه الله بقوله:"إلا ما يتلى عليكم". فقال بعضهم: عنى الله بذلك: أحلت لكم أولاد الإبل والبقر والغنم، إلا ما بيَّن الله لكم فيما يتلى عليكم بقوله: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ)، الآية [سورة المائدة: ٣].
*ذكر من قال ذلك:
١٠٩٢٧- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا

(١) "السخال" جمع"سخلة" (بفتح فسكون) : وهي ولد الشاة من المعز والضأن، ذكرًا كان أو أنثى.
(٢) انظر تفسير"الأنعام" فيما سلف ٦: ٢٥٤.
(٣) هي مقالة الفراء في معاني القرآن ١: ٢٩٨.


الصفحة التالية
Icon