قال أبو جعفر: وأولى التأويلين في ذلك بالصواب، تأويل من قال:"عنى بذلك: إلا ما يتلى عليكم من تحريم الله ما حرّم عليكم بقوله:"حرمت عليكم الميتة"، الآية. لأن الله عز وجل استثنى مما أباح لعباده من بهيمة الأنعام، ما حرَّم عليهم منها. والذي حرّم عليهم منها، ما بيّنه في قوله: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزيرِ) [سورة المائدة: ٣]. وإن كان حرَّمه الله علينا، فليس من بهيمة الأنعام فيستثنى منها. فاستثناء ما حرَّم علينا مما دخل في جملة ما قبل الاستثناء، أشبهُ من استثناء ما حرَّم مما لم يدخل في جملة ما قبل الاستثناء.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: معنى ذلك:"يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود" ="غير محلي الصيد وأنتم حرم" ="أحلت لكم بهيمة الأنعام" فذلك، على قولهم، من المؤخر الذي معناه التقديم. فـ"غير" منصوب = على قول قائلي هذه المقالة = على الحال مما في قوله:"أوفوا" من ذكر"الذين آمنوا".
وتأويل الكلام على مذهبهم: أوفوا، أيها المؤمنون، بعقود الله التي عقدها عليكم في كتابه، لا محلّين الصيد وأنتم حرم.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: أحلت لكم بهيمة الأنعام الوحشية من الظباء والبقر والحمر ="غير محلي الصيد"، غير مستحلِّي اصطيادها، وأنتم حرم إلا


الصفحة التالية
Icon