من"أن"، بمعنى: لا يجرمنكم بغض قوم بصدِّهم إياكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا.
* * *
وكان بعض قرأة الحجاز والبصرة يقرأ ذلك: (ولا يجرمنكم شنآن قوم إن صدوكم)، بكسر"الألف" من"إن"، بمعنى: ولا يجرمنكم شنآن قوم إن هم أحدثوا لكم صدًّا عن المسجد الحرام أن تعتدوا = فزعموا أنها في قراءة ابن مسعود: (إن يصدوكم)، فقرأوا ذلك كذلك اعتبارًا بقراءته. (١)
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي، أنهما قراءتان معروفتان مشهورتان في قرأة الأمصار، صحيح معنى كل واحدة منهما.
وذلك أن النبي ﷺ صُدَّ عن البيت هو وأصحابه يوم الحديبية، وأنزلت عليه"سورة المائدة" بعد ذلك، فمن قرأ (أَنْ صَدُّوكُمْ) بفتح"الألف" من"أن"، فمعناه: لا يحملنكم بغض قوم، أيها الناس، من أجل أن صدوكم يوم الحديبية عن المسجد الحرام، أن تعتدوا عليهم.
ومن قرأ: (إن صدوكم) بكسر"الألف"، فمعناه: لا يجرمنكم شنآن قوم إن صدوكم عن المسجد الحرام إذا أردتم دخوله. لأن الذين حاربوا رسول الله ﷺ وأصحابه من قريش يوم فتح مكة، قد حاولوا صَدَّهم عن المسجد الحرام. فتقدم الله إلى المؤمنين = في قول من قرأ ذلك بكسر"إن" = بالنهي عن الاعتداء عليهم، إن هم صدوهم عن المسجد الحرام، قبل أن يكون ذلك من الصادِّين.
غير أن الأمر، وإن كان كما وصفت، فإن قراءة ذلك بفتح"الألف"، أبينُ معنى. لأن هذه السورة لا تَدَافُعَ بين أهل العلم في أنها نزلت بعد يوم الحديبية.

(١) انظر معاني القرآن للفراء ١: ٣٠٠.


الصفحة التالية
Icon